عبده الأسمري
الكتابة تلك الهواية والهوية والسلوك والمسلك التي شكلت لنا أول خطوات «التعلم» فيها وضعنا أولى خربشات «التجربة» وضلالات «الرعونة» واستنتاجات «العفوية» نجحنا فيها بمجرد مسك «القلم» وتفوقنا معها حين تحرك الخط ليتكون لدينا ابتداء خيوط «الذاكرة» المعرفية بألف باء التي كتبناها بحذر على «أوراق» الواجب المدرسي وشكلناها بغرور على «جدران» الحي المنسية وحفظناها بتحيز في «وجدان» النفس المحتفية.
للكتابة رحلة بدأت منذ تلك التعرجات التي كانت فيه الألف «عصا» لا تقبل الانحناء والباء «منحدر متواز لا يتقبل الاستواء ومضى هذا الاقتران لنبدأ أولى خطوات «الأنا» في عشرات «التواقيع» والتي شكلت هوية «خاصة» تعكس رمزية «حب الظهور» وعفوية «محبة التواجد» فجاء «التوقيع» ليظل الوقع الكتابي الأول في مضامين عشوائية اتخذت الحرية ساحة مفتوحة خارج قيود الدرس وبمنأى عن حدود التقيد.
منذ اللحظة الأولى لاعتناق فعل الكتابة تنعكس على «النفس» مشاعر التفريغ وتحويل الكلام إلى مشهد مرئي ومعنى بصري، الأمر الذي جعل منها الاستجابة الأولى للتعلم الحقيقي في مسيرة «الذات» والإجابة المثلى للتفهم الواقعي في بصيرة «النفس» فجاءت الخطوط لتكتب أول خارطة ذهنية باستخدام وساطة «القلم» ما بين عقل يفكر وقلب يتدبر وبنان يكتب وبيان يتجلى بين خطوة الكلمة وحظوة الحرف وسطوة العبارة.
الكتابة تعيدنا إلى سيرتنا الأولى التي بددنا فيها ظلام الجهل وشتتنا وسطها مظالم «الأمية» وشدونا خلالها ببشائر الخطوات الأولى التي استهلت الركض بثبات رغماً عن صعوبة النقلة من انعدام «الأداة» إلى امتلاك «الهبة» وبتنا مقيمون في متون «التعلم الشخصي» قائمون على أهداف «التطور الذاتي».
عندما بدأنا الكتابة انتقلنا من أصول الأمنية إلى فصول الدهشة ومن عمق الأمل إلى أفق الاندهاش ووصلنا إلى فرح غامر ملأ دواخلنا ونحن نرى بداية إنتاجنا المشفوع بالحروف والوصوف في تجربة فعلية على صفحات «التعلم» في بدايات مراحل الدراسة حينها فقط تشربنا «البهجة» من أعماق «التلمذة» إلى آفاق «المهارة».
الكتابة سلوك خاضع للتطور نافع بالتصور شافع بالتطوير يعد أسمى حالات «المعرفة» والمعنى الحقيقي للإبداع فمنه خرجت أجمل العبارات التي حفظها التاريخ وفيه انطلقت أكمل الاعتبارات التي شهدها الزمن.. في ظل مسلك يعكس ثقافة الإنسان ويوظف حصافة البيان ويصنع «انتاج» يضيء دروب «العتمة» و»نتاج «ينير مسارب «الغمة» ويسهم في انعكاس الكفاءة ويرصد أساس الإجادة.
الكتابة اسم «جامع» لأسلوب «ممتع» يحول الكلمة إلى «أداة» وصف ويسير بالمعنى إلى «منهج» توصيف.. فتتبسط الأفكار في منظومة «نص فاخر» وتنطق العبارات في نظام «مقال باهر» وتتزاحم المفردات في عقود من الضياء في اتجاهات مختلفة وفق «الأسباب» ومن منطلق «الدواعي» التي حضر فيها القلم ليكون «شاهد» العصر ويبقى «المكتوب» ملكية فكرية ترتبط باسم صاحبها لتكون قرينة لإنتاجه وأفكاره وإبداعاته.
للكتابة دروس مختلفة وطقوس متباعدة تتعامد على «المهارات» وتعتمد على «المواهب» وترتقي بالابتكار وتسمو بالاقتدار في سبل متعددة ترصد الشخصية وتؤكد التوجه وتبين القدرة وتوضح التمكن من خلال «هدف» في ذهن المؤلف و»استنتاج» وسط عقل المتلقي.
تتباين الكتابة بين مهمة روتينية وهي تلك التي خضعنا لها في المدارس وقيدتنا على طاولات الفصول وأجبرتنا على واجبات الدروس. فبقينا منفذين لتخطيط ثابت جعل من كتاباتنا مجرد ممارسات مفروضة وأبقى العديد من «كتبة» التلقين في دوائر «التكرار» أما من قفز على أسوار التقليدية فإنه انتقل من سيطرة «الواجب» إلى مسيرة «الوجوب» فخرج من «محدودية المفترض» إلى احترافية «المفروض» ليشكل هويته الكتابية بمهاراته واتجاهاته وميوله ليكون «الفاعل» المعلوم وضمير متصل تقديره «هو» وتبقى ذاته في تنقل وترقٍّ وارتقاء بين مستويات الكتابة والتي لا حد لها من التميز ولا مدد لها من الامتياز.
للكتابة مراحل تتنقل فيها بين المحافل بهيمنة «الأثر» وسلطنة «التأثير» في محطات حياة تتباين بين الدراسة والعمل والهواية والنشاط والدافع والمشاركة والتعلم والتأهيل والتدريب والتأليف والإنتاج لتكون «المهمة» الأسمى في عمر الإنسان و»الهمة» الأعلى في درب الزمان.