د. محمد بن صقر
إدارة الانطباع، هذا المفهوم المهم في ممارسته الفردية مروراً إلى جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية، أصبح ضرورة استراتيجية لابد من تبنيها عند التعامل مع الجماهير بكافة أشكالها ومستوياتها الفكرية والثقافية، فالمراقب لسلوكيات بعض الأفراد أو الدول أو المؤسسات أو المنظمات يجدها تهتم بشكل كبير بإدارة الانطباع حول نفسها أمام جمهورها الداخلي أو الخارجي وتمارسه في سياستها ، لأن ذلك يعد انعكاساً لتصرفات القائمين عليها من القادة من أجل الوصول لأهدافهم وتحقيها بشكل فاعل، فعلى الرغم من أن هذا المفهوم بدأ قديماً ووضعت له استراتيجيات في ذلك من قبل عالم الاجتماع إيرفينغ غوفمان في كتابه «تسويق الذات في الحياة اليومية»، والذي يدور مضمونه على حقائق أن الفرد يسعى لتغيير فكرة الآخرين عنه، لا لشيء سوى انه يريد تحقيق أهدافه الخاصة وبأساليب معينة، إلا انه يتقاطع ويتفق من حيث الهدف في أجزاء من طرحه مع كتاب الأمير لمكيافيللي، لكنه يختلف من حيث الأسلوب في أمور أخرى.
إدارة الانطباع تتمحور أطروحتها حول رغبة الأفراد في تسويق أنفسهم، وذلك بطريقة التركيز على الكيفية التي يقدَّم بها الأفراد أو المؤسسات أو الدول في مجالات العمل وبشكل يومي، وما الأدوار التي يقومون بها للتأثير على اتجاهات الآخرين عليهم، فمعادلة إدارة الانطباع تبدأ من الأشخاص وهم «الفاعلون» Actors الذين يقومون بالدور المسرحي الأساسي والذين يندمجون في «أداء» Performance في مواضع مختلفة «setting»حسب الأدوار المنوطة بهم، والتي يجب حسب وجهة نظري أن تتفق مع شخصياتهم وتستهدف الجمهور»audience»، من خلال سياق معين للأحداث يكون الهدف منه إنتاج محفزات للتحكم بانطباعات الجماهير وتوجيها للسلوك الإنساني بشكل طوعي ووتيرة تفاعلية.
هذه المعادلة يمكن مناقشتها ضمن الاستراتيجيات الخمس التي حددها الباحثان (JONESالجزيرةPITTMAS)، وذلك لأنها أكثر شمولية ولأن كثيراً من الباحثين اعتمد عليها في مثل هذا التوجه، وهي:
أولاً: استراتيجية التعزيز الذاتي : وهي إظهار القدرات والإنجازات والمميزات التنافسية التي يحتاج إليها المجتمع من أجل أن ينظر إليهم المراقبون على أنهم متخصصون وذوو كفاءة متناهية ومفيدة للجمهور، وهذه الاستراتيجية قد تكون مفيدة في بعض الوقت ولكن استمراريتها قد تسبب نقصاً في محبتهم عند غيرهم وينظر لهم على أنهم مغرورون.
ثانياً: استراتيجية التكامل أو التزلف: وهنا يتم فعل الأشياء التي يفضلها المسؤولون أو مجاملتهم من أجل أن يسندوا إليهم مسؤولية عمل، ويطلق على هذه الاستراتيجية أيضاً إدارة الجاذبية؛ كونها تركز على أن يكون الشخص محبوباً وجذاباً للآخرين، وهذه الاستراتيجية تواجه تحدياً يكمن فيما يجده الأفراد والجمهور في المتزلفين وما الذي يمكن أن يقدموه حتى يجذبوا الجمهور إليهم.
ثالثاً: استراتيجية المثل الأعلى: قيام الفرد بالتضحية الذاتية أو الذهاب إلى أبعد من أداء الواجب المنوط به حتى يظهر بصورة ودور المتفاني في عمله، والذي يرسم صورة التضحية والالتزام والاستعداد أن يعاني من أجل قضية معينة.
رابعاً: استراتيجية الترهيب: وهي إبراز القوة والقدرة على معاقبة الآخرين من أجل أن ينظر إليه الجمهور على أنه شخص ذو سلطة وهيبة، وتستخدم هذه الاستراتيجية عادة في فرض وبناء هوية السلطة، وتبنى على التهديد وتكتيكات لانتزاع احترام الموظفين بالخوف.
خامساً: استراتيجية التوسل: وهي القيام بالإعلان عن مواطن ضعفهم وأوجه القصور لكي يتم استثارة الآخرين، كونهم يحتاجون إلى الدعم، ويطلق على هذه الاستراتيجية الملاذ الأخير، إذا يلجأ فيها الفاعلون إلى التوسل في الحوارات من أجل كسب تعاطف المرؤوسين عن طريق التواضع والتقليل من قيمة أنفسهم.
هذه الاستراتيجيات ينظر إليها كأدوار في مسرح الحياة اليومية، ويتم استخدامها من أجل الوصول للأهداف الخاصة وليس بالضرورة تمثل شخصية القائمين عليها، فمنهم من يُحسن هذا الدور لأن شخصيته تتلاءم مع هذا الدور ومنهم من يخفق في ذلك.