سعد بن دخيل الدخيل
احتفل العالم بأسره واحتفى بشقائق الرجال في يومهن السنوي (اليوم العالمي للمرأة)، وأُبرزت فيه مآثرهن وتأثيرهن، وقوة حضورهن، وسداد رأيهن، وفي هذا السياق الرائع الذي يعلي من شأن المرأة ويصف واقع وجودها نتذكر كيف أن الملك المؤسس لهذا الوطن أعز المرأة وجعل لها مكانة في ملكه ومملكته وبدأ في السعي لتمكينها قبل أن يوحدها تحت اسم المملكة العربية السعودية ولا يتضح المقال إلا بمثال، ولو تفحصنا سيرة هذا العظيم لطال بنا المقام ولضاقت بهذه الأوراق القصص والأحداث ولكني سأقتصر على بضع مواقف وأحداث تبرهن للقارئ كيف أنه غفر الله له يؤمن بحقوق المرأة التي كفلتها الشريعة ويعمل على تطبيقها لتكون واقعاً، يقول طيب الله ثراه: «فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقاً يتمتعن بها، لا توجد حتى الآن في قوانين أرقى الأمم المتمدنة، وإذا اتبعنا تعاليمه كما يجب، فلا نجد في تقاليدنا الإسلامية، وشرعنا السامي، ما يؤخذ علينا، ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقي» فهو مؤمن بعدالة الشرع فيما نص عليه من حقوق ولا يمنع أن تستمد المرأة رقياً وتقدماً من أي حضارة ومن أي ثقافة كانت فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
ونبدأ من أقرب امرأة في حياة الإمام عبدالعزيز، الأميرة الفاضلة العابدة العالمة سارة بنت أحمد (الكبير) بن محمد بن تركي بن سليمان السديري وكان للأميرة سارة دور في إمضاء ابنها الملك عبدالعزيز وشحذ همته وتقوية عزيمته عندما عزم عبدالعزيز على استعادة ملك آبائه وأجداده، وطلبت والدته من والده الإمام عبدالرحمن أن يسمح له بتكرار المحاولة لما لمست منه من إصرار وعزيمة، وقد جاء في كتاب الطريق إلى الرياض (صفحة 52) الذي أصدرته دارة الملك عبدالعزيز إشارة إلى وساطة والدته بطلب منه عند أبيه بأن يسمح له بتكرار المحاولة: «كانت هذه الجلسة «الثائرة» بين الابن وأبيه بعد وساطة لم يذكرها إلى الآن أحد من مؤرخي عبدالعزيز هي وساطة والدته لدى والده.
قال عبدالعزيز: شعرت وأنا ألح على أمي في أن يأذن لي أبي بالحركة، أنها كانت بين عاملين، عامل حب الابن والإشفاق عليه من أن يزج نفسه في المهالك، وعامل مرضاة «عنفوان» الفتى وفتح الباب له على مصراعيه».
وتقول غريد الشيخ محمد في كتابها معجم أعلام النساء في المملكة العربية السعودية : «وتجمع المصادر أن الأميرة سارة والدة الملك عبدالعزيز كانت من أوائل أولئك الذين زرعوا في الملك المؤسس ضرورإعادة حكم آبائه»، فقد استمع لوالدته واستجاب لندائها الذي ينشد مجد الآباء ثقة في تفاؤلها ونظرتها المستقبلية، ومن النساء اللائي حظين بثقة المؤسس وتمكينه حصة بنت أحمد بن محمد السديري وهي إحدى زوجات الملك عبدالعزيز وكانت رحمها الله تتمتع بصفات حميدة وتميزت بحس أسري عميق فقد كرست حياتها للاهتمام بتربية أولادها ورعايتهم والعناية بشؤونهم، وقد أوكل لها المؤسس رحمه الله بعض الأعمال الخيرية والإنسانية فقد كانت تقوم بتوزيع المساعدات للمحتاجين وخاصة في شهر رمضان، وكانت حلقة الوصل بين النساء وبين زوجها العظيم عبدالعزيز فقد كانت تجلس إلى النساء وتستمع لهن وتتلقى احتياجاتهن ومطالبهن، كما كان لها اهتمام علمي، فسعت لنشر العلم بتوفير الكتب والمراجع ومكافأة من ينبغ ويتميز خاصة في حفظ القرآن الكريم، وكان لها اهتمام ببناء المساجد وتشييدها. ويستمر اهتمام الملك عبدالعزيز بالمؤسس بالمرأة ومنحها الأعمال والثقة على إتمامها مع احترام خصوصيتها والاهتمام باحتياجاتها.
ولا نغفل هنا عن نورة الملهمة وهي الأخت التي تكبر عبدالعزيز بعام واحد ويمكن القول إنها أهم امرأة في عصر الدولة السعودية الثالثة، وكان شقيقها الملك عبدالعزيز يستشيرها في كثير من الأمور ويبوح بأسراره لها ويأتمنها عليها وكان يعتمد عليها كثيراً في الشؤون الاجتماعية وكانت تُعتبر السيدة الأولى بشخصيتها المميزة في السعودية وكان للأميرة نورة مكانة خاصة عند شقيقها لم تحظ بها أي امرأة أخرى وتعتبر من أهم شخصيات نساء آل سعود وكان ينتخي ويعتزي باسمها فخراً ويقول (أنا أخو نورة).
عندما عزم على الخروج لاستعادة الرياض شجعته وقالت: «لا تندب حظك إن خابت الأولى والثانية فسوف تظفر في الثالثة، ابحث عن أسباب فشلك فالرجال لم يخلقوا للراحة»، وعندما استقرت الأمور للملك عبدالعزيز في الرياض وانطلق في رحلته لتوحيد البلاد برز دور الأميرة نورة في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، فقد مكنها شقيقها من تسيير أمور العائلة وحل مشاكل وشؤون القصر الداخلية، وعهد إليها الملك عبدالعزيز باستقبال ضيفات البلاد حيث يتوافد الكثير من النساء المهمات خاصة في موسم الحج، وقد وصفتها فيوليت ديكسون التي قابلتها 1937م مع بعض نساء الملك بأنها: «من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحاً» وأنها: «من أهم الشخصيات في الجزيرة العربية»، كما تحدث عنها جون فيلبي فقال: «كانت السيدة الولى في بلدها»، ويروى عنها قصة عجيبة وهي أن الملك عبدالعزيز دخل يوماً عليها وهي تأكل تمراً فناولته حبة تمر وقالت: «متى نستعيد تمور الأحساء؟ « وكانت حينها تحت الحكم العثماني فنفض الملك عبدالعزيز يده وكأن هذه العبارة زادت من حماسته وعزمه ثقة في أخته راجحة العقل والفكر.
بدأ الموحد عبدالعزيز في لملمة شتات أرضه ووطنه من لحظة استعادة الرياض وبدأ في خط متواز مع هذا الشأن عمليات التطوير والتنمية ومنها تمكين المرأة لتكون فاعلة في مجتمعها ووطنها، وكانت أولى خطوات هذا التمكين هي الكتاتيب وكان داعمًا لكل خير يعزّز مكانتها ومعلماتها في ضوء ما نصت عليه تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، حتى وصل عدد كتاتيب المرأة في بداية عهده إلى أكثر من 180 دارًا للكتاتيب منتشرة في مختلف أنحاء المملكة.، وهي خطوات ذكية من الملك عبدالعزيز تؤسس قاعدة لتعليم البنات للبدء في إطلاق التعليم النظامي، وتعلق الباحثة د. هند عقيل الميزر في بحثها: «المرأة السعودية من التهميش إلى التمكين في التعليم والعمل» والذي نشر في المجلة العربية للدراسات الأمنية - المجلد 32 - العدد (68): «وتشير التقارير إلى مشاركة المرأة السعودية من عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بدورها في التعليم من خلال الكتاتيب النسائية التي كانت إما كتاتيب مستقلة وإما عامة وهي كتاتيب المعلمات (المطوعة) التي كانت عبارة عن جزء من بيت المعلمة» وكانت هذه الكتاتيب تجد الدعم من جلالة المؤسس قبل أن تتحول لمدارس نظامية عام 1380هـ.
ولا تتوقف قصص وأحداث تقدير وتمكين الملك عبدالعزيز للمرأة، فهذا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يروي عن المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز حادثة يخبر فيها الملك عبدالعزيز عن نتيجة دعاء له من امرأة أحسن لها فيقول حفظه الله: «فمن المواقف الإنسانية المؤثرة لكرم الملك عبدالعزيز ما ذكره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد يرحمه الله في إحدى خطبه رواية عن والده بشأن ما كان يقوم به ليلاً بنفسه دون علم الآخرين من الإحسان للضعفاء والفقراء خاصة في العشر الأواخر من شهر رمضان في كل عام ومن بينهم امرأة عجوز من أسرة يعرفها، يقول الملك عبدالعزيز أعطيتها مبلغاً من المال فأمسكت بي والدنيا ظلام، وقالت: من أنت؟ فلم أقل لها شيئاً لأني لا أريد أن تعرفني، فقالت: أنت عبدالعزيز؟ فقلت لها: نعم أنا عبدالعزيز فاستقبلت القبلة وفتحت جيبها وقالت: قل آمين إن الله يفتح لك خزائن الأرض وبعد أن ظهر الزيت عندنا عرفت أن هذي هي خزائن الأرض»، ويقف الملك عبدالعزيز محامياً عن النساء ومدافعاً عن حقوقها فهذه قصة يرويها وزير الحج سابقاً الدكتور محمود سفر الواقعة خلال أمسية ثقافية عن حياة الملك عبدالعزيز أقيمت في جامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1429 (2008م)، بحضور خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز ومدار الحدث حول امرأة مسنّة أنصفها الملك عبدالعزيز، وتولى قضيتها، بعد أن استولى أهل زوجها على أرضها وتعنت أحد القضاة معها وأصدر حكماً ضدها، وأظهر المشهد رد فعل خادم الحرمين الشريفين خلال سماعه باهتمام لهذه الواقعة، يقول د. محمود: «السيدة المسنة التي أوكل عبدالعزيز نفسه نيابة عنها في المحكمة، واسمها فاطمة بنت عبدالله الشافعي، وكانت في الطائف عندما حدثت معركة الطائف وتوفي فيها زوجها، حيث وجدت من أقارب زوجها من استولى على ممتلكاتها وأصدر من المحكمة حكماً يقضي بملكيتهم لها فانزعجت، فقيل لها هناك حاكم جديد في مكة فاذهبي إليه، فقالت: أين هو، فقالوا لها إنه في السقاف، فذهبت مشياً إلى هناك».
وأضاف: كان الملك عبدالعزيز يخرج من القصر، فصارت تصرخ: «يا عبدالعزيز. يا عبدالعزيز» بلهجتها البدوية العفوية، فاقتربت منه، وقالت: قتلتم رجالنا في الطائف، وأتيتم إلى مكة لتنهبوا أموالنا.
وأردف الدكتور محمود: فاستغرب الملك عبدالعزيز وهدّأ من روعها وقال لها: وش القصة؟ وش اللي حصل؟ فقالت: نزلت من كذا كذا، ووجدت الأملاك وقاضي من قضاتكم الذين وضعتهم في المحكمة حكم بالظلم، فطلب من «ابن جميعه»، وهي تتذكر اسمه، هات قرطاساً واكتب إلى القاضي فلان الفلاني، وأنا وكيل هذه السيدة شرعاً أمامك، فأخذت الورقة وهي لا تقرأ ولا تكتب ولا تعرف ما بها، وقالت: ما هذه الورقة ما بها؟ فقال لها: خذي هذه الورقة واذهبي إلى القاضي بها، فذهبت إليه، وتابع معالي الدكتور: القاضي كان دخل وكان في كل مرة تدخل إليه يطردها ويهددها بالعسكري، ولكن هذه المرة جاءت متسلحة بورقة بها ختم الملك عبدالعزيز، وقالت: «هذه الورقة من سيد سيدك»، بلهجة عفوية. وقال دكتور محمود سفر: «كان القاضي جالساً وفتح الورقة وعندما رأى ختم عبدالعزيز قام واقفاً، ووضع الورقة على رأسه، فقالت له بعفويتها: «الله أكبر عليك.. خفت من عبدالعزيز وما خفت من رب عبدالعزيز» وقد تبسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان من قول المرأة وهو يصغي للقصة التي يرويها معالي دكتور محمود سفر.
هذه الأحداث هي غيض من فيض تقدير قادة هذه البلاد للمرأة ومنحها مكانتها الحقيقية والتي أسس لهذه المكانة المغفور له الملك عبدالعزيز ثم تتابع الأبناء في إعطاء المرأة جميع ما تستحق من حقوق بعد منحها الثقة الكاملة، وهذا قائد الأمة الملك سلمان حفظه الله فتح للمرأة مجالات العمل والأحوال الشخصية، وباتت اليوم فعلياً شريكاً للرجل السعودي في تنمية وطننا دون تفرقة، يقول خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في ختام مجموعة تواصل المرأة «20»: «لقد انطلقت المملكة في رحلة إصلاحية غير مسبوقة بشهادة المجتمع الدولي، لتمكين المرأة ودعم مشاركتها في التنمية الوطنية».
وقد قال ولي العهد «هناك حقوق للنساء في الإسلام لم يحصلن عليها بعد»، وأيضاً «أنا أدعم المملكة ونصف المملكة من النساء، لذا أنا أدعم النساء».. كلمات واضحة وقاعدة من قواعد دعم النساء، كما رسم سموه مستقبلها ومكّنها في كل مجال علمي وعملي واجتماعي واقتصادي وأيضاً سياسي فكما وَرد في محور الاقتصاد المزدهر في رؤية 2030 تحديداً أهمية عمل المرأة وإعطائها الفرصة فرفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بمؤشر واضح ومحدد.
حفظ الله لنا سلمان الحزم، ومحمد الأمل والطموح وأيدهما بنصره، وجعل هذا الوطن آمناً مطمئناً في ظل هذه القيادة الحكيمة التي لها منا الحب والولاء والتأييد.