د. أحمد محمد الألمعي
العنف الأسري هو شكل من أشكال التصرفات المسيئة الصادرة من قبل أحد أو كلا الزوجين وله عدة أشكال منها الاعتداء الجسدي. أو التهديد النفسي كالاعتداء الجنسي أو الاعتداء العاطفي، السيطرة أو الاستبداد أو التخويف، أو الملاحقة والمطاردة. أو الاعتداء السلبي الخفي كالإهمال، أو الحرمان من النفقة المفروضة. وقد يصاحب العنف الأسري حالات مرضية كإدمان الكحول والأمراض العقلية، وتعتبر التوعية المجتمعية والقوانين الصارمة من الأمور المساعدة في علاج العنف الأسري والحد منه.
وغالباً ما يحدث العنف الأسري بسبب اعتقاد المعتدي أنَّ العنف حق له أو أمر مقبول أو مبرر أو من غير المحتمل الإبلاغ عنه. وقد ينتج عن ذلك تكرار العنف عبر الأجيال وتعلم الأطفال وغيرهم من أفراد الأسرة الذين قد يشعرون بأن هذا العنف أمر مقبول. وكثير من الناس لا يعترفون بأنهم مسيئون أو ضحايا لأنهم قد يعتبرون تجاربهم خلافات عائلية خرجت عن السيطرة.
وقد يختلف الوعي والإدراك والتعريف والتوثيق للعنف المنزلي بشكل كبير بين الثقافات. غالبًا ما يحدث العنف الأسري في سياق الزواج القسري أو زواج الأطفال. ويعاني الضحايا اضطرابات نفسية شديدة مثل ما بعد الصدمة النفسية ونوبات هلع واكتئاب ومضاعفات نفسية وطبية أخرى. وغالبًا ما تظهر لدى الأطفال الذين يعيشون في عائلة تستخدم العنف مشكلات نفسية في سن مبكرة، مثل العزلة والخوف واضطرابات السلوك والعدوانية وغيرها من الاضطرابات التي أرى منها كطبيب نفسي الكثير يوميًا في عيادة الطب النفسي للأطفال. ففي خضم الخلافات العائلية الشديدة والتي قد تستمر لفترات طويلة حتى بعد انفصال الزوجين، يكون الأطفال هم الضحايا بالدرجة الأولى، وينسى أو يتناسى الوالدان تأثير العنف وخلافاتهم أمام الأطفال، وتنحدر سلوكياتهم بشكل غريب ويتصرفون بنرجسية وتفكير أشبه بتفكير المراهقين والكثير من الغضب والاندفاعية وبدون عقلانية، وينصب تفكيرهم على هدف واحد وهو الدفاع عن الكرامة التي تصوروا أنها دنست والنيل من الطرف الآخر في سلسلة تصرفات جنونية سيندمون عليها مستقبلاً.
وينشأ العنف في أحيان كثيرة بسبب الحاجة للسلطة والسيطرة، وهو شكل من أشكال التنمر والتعلم الاجتماعي لسوء المعاملة. وقد نسبت محاولات المعتدين للسيطرة على شركائهم إلى تدني احترام الذات أو الشعور بالنقص، والصراعات النفسية التي نشأت في مرحلة الطفولة، ووطأة الفقر، والعداوة والبغضاء تجاه النساء (كره النساء)، والعداوة والبغضاء تجاه الرجال (كره الرجال)، واضطرابات الشخصية، والنزعات الوراثية والتأثيرات الاجتماعية والثقافية وغيرها من العوامل المسببة.
ولم يتم التصدي للعنف الأسري في معظم الأنظمة القانونية إلا منذ بداية التسعينات في جميع أنحاء العالم، في الواقع كانت الحماية ضد العنف الأسري قليلة جدًا في معظم البلدان قبل أواخر القرن العشرين في القانون أو في الممارسة. وفي المملكة تم تشريع قانون الحماية الذي يحمي أفراد المجتمع المعرضين للإساءة وهناك عقوبات مالية وسجن للمعتدين.
حظي الأطفال تاريخيًا بنسبة قليلة من الحماية ضد العنف من قبل آبائهم ولا يزال هذا الحال قائمًا في بعض بلدان العالم. وفي الثقافات القديمة على سبيل المثال، يمكن للأب في روما القديمة قتل أطفاله بشكل قانوني. وسمحت العديد من الثقافات للآباء ببيع أبنائهم للعبودية. وكانت التضحية بالأطفال أيضًا ممارسة شائعة. ولا يزال الكثير من أفراد مجتمعنا يعتقدون بأن الأطفال والنساء ملكية خاصة يتصرف بها كما يشاء، ويعتقدون أن من حقهم ارتكاب العنف ضد أطفالهم ونسائهم بدون محاسبة استنادا على معتقدات اجتماعية منحرفة وتفسيرات شخصية وخاطئة لنصوص معينة من القرآن والحديث متناسيين نصوص أخرى تحث على الرحمة وتجنب فظاظة القول والسلوك وتوضح أهمية دور الراجل كراع للأسرة.
وهناك مشكلات كثيرة تحدث بعد الزواج بسبب الأمراض النفسية أو إدمان المخدرات التي يعانيها أحد الزوجين، والتي لا يتم التصريح عنها قبل الزواج في مخالفة صريحة للدين وكل المعتقدات الثقافية، ونتيجة مثل هذه الزيجات لا محالة هو الخلافات والعنف وتنتهي بالطلاق ومعاناة الأطفال. وإحصاءات الزواج والطلاق في المملكة تشير إلى ارتفاع حاد في نسب الطلاق في السنوات القليلة الماضية قد تصل إلى نسبة 50 % في بعض المدن. وأنا كنت وما زلت من مناصري إضافة الفحص النفسي للزوجين قبل الزواج، تمامًا مثل الفحوصات التي تجرى حاليًا للأمراض الوراثية ما قبل الزواج وذلك كأحد العوامل للتقليل من الخلافات الزوجية ونسب الطلاق والتي عادة ما تحدث في خلال أول خمس سنوات وهي فترة التأقلم للزوجين، وتشير كثير من الأبحاث إلى انخفاض نسب الطلاق بشكل كبير بعد هذه المدة.
وتشير كثير من الأبحاث إلى أن الاضطراب النفسي والاضطرابات الشخصية الأخرى هي عوامل، وهذا الأذى الذي يتعرض له الأشخاص في مرحلة الطفولة يقود بعضهم إلى أن يصبحوا أكثر عنفًا عندما يصبحون راشدين. وقد وجدت الدراسات أن هناك علاقة متبادلة بين جنوح الأحداث والعنف المنزلي في مرحلة البلوغ. ووجدت أيضًا أن هناك ارتفاعاً في حالات الأمراض النفسيّة بين ممارسي ومرتكبي العنف. ويتعرض الكثير من الضحايا الذين يستمرون في العيش مع المعتدين، إلى نسب عالية جدًا من التوتر والخوف والقلق، كما ينتشر الاكتئاب بينهم حيث إن المعتدين يدفعونهم للشعور بالذنب بحجة قيامهم «باستفزاز» المعتدي مما يبرر له أن يسيئ معاملتهم وبذلك يتعرضون لانتقادات شديدة. وقد أفادت كثير من الأبحاث بأن 60 % من الضحايا تنطبق عليهم أعراض تشخيص الاكتئاب سواءً أثناء الزواج أو بعد الانفصال، ولديهم ميل متزايد للأفكار الانتحارية. وبالإضافة إلى ذلك، كثيرًا ما يصاب ضحايا العنف المنزلي بحالات مزمنة من القلق والذعر، وغالبًا ما تنطبق عليهم المعايير التشخيصية لـ»اضطراب القلق العام» و»اضطراب الهلع». وأكثر الآثار النفسية للعنف المنزلي شيوعًا وانتشارًا هو «اضطراب ما بعد الصدمة».
ونرى الكثير من الأطفال في المدارس هذه الأيام بسلوكيات عدوانية ومقلقة وتدن في المستوى الدراسي ومن تجربتي خلال ثلاثين سنة في هذا المجال أن بيئة المنزل العنيفة والمضطربة لها دور كبير في هذه السلوكيات، وما حاجتنا إلى جيل مضطرب ومجتمع عنيف يعاني الأمراض النفسية والاجتماعية التي يمكن تجنبها بتجنب العنف وتحمل مسؤولياتنا كوالدين وتقديم الرعاية والدعم العاطفي من قبل الآباء قبل الأمهات فتقديم المال للأطفال لا يكفي.
ويستغل بعض الجهلة بعض النصوص الدينية لتبرير سلوكهم العنيف ضد أطفالهم وزوجاتهم متناسين الكثير من النصوص التي تحث على الرحمة ورعاية الأهل وحسن المعاملة، عن عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خياركم خياركم لنسائهم» «وكلكم راع ومسؤول عن رعيته».