صيغة الشمري
أتذكَّر قبل فترة مسؤول يمني لم يذكر اسمه خوفاً من بطش الميليشيات الحوثية قال لصحيفة الشرق الأوسط معلقاً على انتشار التسوّل في صنعاء إن «السبب الرئيسي لتفشي الظاهرة واتساع رقعتها هو سياسات الجماعة التي قادت إلى نهب أموال السكان، واستثمار هؤلاء المتسوِّلين للحصول على الأموال من خلال فرضهم نسبة 20 في المائة من إجمالي ما يجمعه كل متسوِّل، مما يقودنا إلى سؤال عن سر تزايد أعداد المتسوِّلين في الشوارع وإشارات المرور وأمام المساجد، بشكل ملحوظ لدينا، لدرجة وجود متسوِّلات يتعمدن حمل طفل لا يزال رضيعاً ويحاولن استدرار عطف الناس من خلال وجود هذا الطفل الذي يعرّضنه لظروف أبعد ما تكون عن الأجواء الصحية والمثالية لطفل في عمره، مما يشعر كثير من الناس بالتعاطف والشفقة لرؤية هذا المنظر، إضافة إلى بعض المتسوِّلين الذين يلبسون زي عمال نظافة ويقفون بالقرب من الأماكن التي يكثر بها عدد من المتسوِّقين!
طرق ملتوية وحيل كثيرة يعمد إلى استخدامها المتسوِّلون لاستدرار التعاطف، منها استغلال بعض الأطفال الذي يدِّعي أنه مريض أو يتيم ويلجأ إلى سلاح الدموع، أو الجوع ليظفر بالتعاطف ومن ثم المال، بطريقة يستحيل أن تكون تصرفات طفولية، بل وراءها عصابات تغتال الطفولة، وهناك البعض يدِّعي الإعاقة أو يكون معاقاً فعلياً ويستغلها تحت إشراف هذه العصابات المنظَّمة، التي يزيد نشاطها بشكل غير مسبوق في وقت تسليم الرواتب مما يدل على أن هناك تخطيطاً مسبقاً لهم وآلية عمل وتوزيع لهم عند أجهزة الصرافات، في الأسواق الأكثر شعبيةً وعند إشارات المرور.
ولأن ظاهرة التسوُّل عمل مقزِّز وتشويه كبير للمجتمع بشكلها اللا حضاري ومظهرها البعيد عن الإنسانية، فينبغي أن يكون هناك توجه جاد لمواجهتها، وإيجاد حلول حقيقية لمحاربتها بأشكالها كافة، والدور هنا لا يقتصر على وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، للقضاء على ظاهرة التسوُّل، حيث تقوم إدارة مكافحة التسوُّل بتوجيه السعوديين إلى دور الرعاية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، والمحتاجون مادياً تُصرف لهم المساعدات المالية من الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية بعد دراسة حالتهم، لكن المشكلة أن النسبة الأعلى من المتسوِّلين هم من الأجانب الهاربين ومخالفي نظام الإقامة، فالمسألة بحاجة إلى رقابة مشدَّدة، ومتابعة حثيثة لذلك مهمة متابعتهم وإنهاء إجراءات ترحيلهم تعنى بها وزارة الداخلية والجهات الأمنية المختصة، يجب أن يُكثَّف العمل والتركيز على هذا الملف، إضافة إلى أننا نحن كأفراد بحاجة إلى تكاتف مجتمعي، حيث هناك مسؤولية كبيرة على الأفراد الذين يشفقون على المتسوِّلين ويمنحونهم المال، فهم بذلك، من غير قصد، يساهمون بطرق غير مباشرة بتشجيعهم على الاستمرار وبالتالي مضاعفة ثروتهم التي لا نعلم إلى أين تذهب؟!.