أحمد محمد محمود
أشعر باعتزاز كبير بمعرفتي لمعالي الشيخ جميل الحجيلان، وهي معرفة تعود إلى سِني حياتي العملية الأولى في الإعلام والصحافة عشتها خلال تولي معاليه وزارة الإعلام - كأول وزير لها في تاريخ المملكة- فقد كنت نقلت خدماتي إلى وزارة الإعلام في عهده الغني بالإبداعات، والتجديد، والتحديث، وجهوده في تأسيس «الإعلام السعودي» ليواجه يومها وما بعد ذلك التحديات الإعلامية الكبرى لبلادنا، وهي تحديات سرعان من تفتت على صخرة جهود - جميل الحجيلان- وزملائه في الوزارة، وكنتُ أشرت إلى شيء من ذلك في مساهمتي في ملف جريدة الجزيرة الغراء عن معاليه، باعتبار- جميل الحجيلان: هو مؤسس «الإعلام الحديث» للمملكة العربية السعودية، والأفعال شاهدة.
وقد أدركتُ طبيعة التحديات الإعلامية التي واجهها معاليه عندما التحقت بجريدة المدينة المنورة، محررًا مبتدئًا، فكنت أقرأ كما يقرأ غيري مسار نزال إعلامنا ومقارعته للإعلام «المعادي» منازلة لم تكن مع الإعلام السعودي فحسب، بل كانت حتى مع كيان المملكة السياسي، ذلك الإعلام «المعادي» في تلك الحقبة قادته مؤسسات وقنوات إذاعية عربية تحالفت ضد المملكة العربية السعودية وسياستها في حقبة الستينات الميلادية من القرن الماضي، فكانت «الأبواب المعادية، صحافة وإذاعة تنفث سمومها على بلادنا من كل جهة، فعز الصديق المناصر أمام تكالب الأعداء، وبقي الإعلام السعودي الناشئ بقيادة - جميل الحجيلان - وفريقه من مثقفين وصحفيين وإذاعيين يواجه المعركة وحده، أؤكد «وحده» وبإمكاناته المتواضعة.
كانت الوقفة الإعلامية التي وضع إستراتيجيتها - جميل الحجيلان - ونفذها فريق من شباب الوطن المخلصين ضد ذلك الإعلام المعادي صلبة، تحطم على صخرتها الإعلام المعادي، وخرجت المملكة العربية السعودية وسياستها بقيادة الملك الشهيد فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله- من تلك المعركة - بعد حرب الأيام الستة عام 1967م أقوى وأصلب عوداً، وأرسخ كياناً.
ثم كان أن أضيفت إلى - جميل الحجيلان - مسؤولية جديدة إلى جانب وزارة الإعلام، عندما صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيرًا للصحة، فكان أول لقاء لِي مع - صاحب الوزارتين - في موسم الحج، عندما كنت مسؤولا عن تغطية هذه المناسبة السنوية، التقيت معاليه في «منى» لأقدم لقراء جريدة المدينة جردة جهود وزارة الصحة في إخراج موسم حج نظيف من الأوبئة، منتصراً إعلاميًا.
كل الجوانب التي يتمناها «مواطن» في وزير من وراء بلده كنتُ أجدها في خصال - جميل الحجيلان - طلاقة الحديث، صدق الكلمة، وضوح الرؤية، وفوق كل هذا دماثة في التعامل، وكما قال الشاعر الرحالة - الخياري:
وقُل في مديحٍ فيه ما شِئتَ صادقاً
وبالِغ فما ترى لعمري كاذبا
عندما كنت موظفًا في وزارة الإعلام بإدارة المطبوعات عملت تحت رئاسة الأخوين الكريمين - نبيه عبد القدوس الأنصاري وعبد الله صالح فقيه - فأنعم بهما رئيسين لي، توجيهاً وتقديرًا، وعندما قرَّرت وزارة الإعلام ابتعاث موظفين منها لدراسة الإنجليزية في بريطانيا، ورشحت معهم، ولما رُفعت الأسماء فوجئت بإسقاط اسمى من بين المبتعثين، ولما علم - جميل الحجيلان - بذلك، أضاف اسمي إلى المبتعثين لدراسة الإنجليزية، فعدت بعد سنة أتولى مراجعة ما يحال إلي من صحف إنجليزية لمراقبتها وفسحها.
قلت للشيخ جميل الحجيلان: أنا محظوظ لأن أتولى رئاسة تحرير أول جريدة يومية بالإنجليزية في المملكة أصدرها الناشران - هشام ومحمد علي حافظ - بفضل من الله أولاً ثم بما مننتَ علي بإضافتي إلى المبتعثين من الوزارة إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية، شعرت كما لو كان معاليه فوجئ بذلك.
وشكرى ذوى الإحسان بالقلب تارة
وبالقول أخرى ثم بالعمل الأسنى
وقبل أكثر من شهر كنتُ في الرياض، واتصلت بمنزل معالي الشيخ جميل الحجيلان أطلب إذناً لزيارته، لأهديه نسخة من كتابي - جمهرة الرحلات - فتفضَّل بالترحيب بي في اليوم الموالي، ولم يكن ذلك مستغربًا من أخلاقه، وكان معي ابني د. أنس، فتبسَّط معاليه معه يسأله عن دراسته وعمله، وأخذ ذلك وقتاً، فانتهزت الفرصة فقدَّمت لمعاليه ما تم طبعه حتى الآن من أجزاء - الجمهرة، فأضفى علي ما اعتدته منه من عطف وتثمين لما بُذل في الموسوعة من جُهد، وأترك القارئ الكريم مع رسالة معاليه وهي ناطقه بكلمات التشجيع، اعتبرتها وقوداًً جديدًا وأي وقود، تُحفّزني على أن أواصل العمل فيها ما وسع الجهد، فقد اعتبرت «الجمهرة» مشروع «التقاعد» لا أشغل الآن نفسي بغيره.
نص رسالة معالي الشيخ جميل الحجيلان:
التاريخ: 08-08-1442هـ
الموافق : 21-03-2021م
الأخ الأستاذ أحمد محمد محمود - حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
كان يتعين علي أن أبعث برسالتي هذه غداة زيارتكم الكريمة لنا في منزلنا في الرياض برفقة الابن الدكتور أنس أحمد محمد محمود، إلّا أن عارضًا صحيًا حال دون رغبتي الصادقة في ذلك.
اقترنت زيارتكم لنا بمفاجأة ما تزال تحملني للسؤال تلو السؤال عن إرادة التصميم التي انتهت بكم بعد عشر سنوات من العمل الصامت لإنجاز عمل ثقافي لا أعهده إلّا نادراً، في ما أتى به رُواد الحركة الفكرية في بلادنا.
إن الأجزاء العشرين من مؤلفكم القيّم - أدب الرحلات - الذي اختار الحجيج موضوعًا لهذا الإقدام الأدبي، الواثق، ما يزال في مكانه في مكتبتي حيث قدمتموه لي، وأنا أتناول كل يوم واحداً من أجزائه، وأستعرض صفحاته بما يشبه «الذهول» فأنت الباحث عن المعلومة، والتحقيق في صدقها، وتدوينها وإفراغها في نصها التحريري، ونسخها على الآلة الإلكترونية الطابعة لوحدكم بيد واحدة، دون معين.
لقد ظلت صلابة العزيمة منذ بداياتكم الصحفية واحدة من مكونات شخصيتكم، فليبارك الله في ما تسعون به من عمل في خدمة الفكر والوطن، والسلام عليكم ورحمة الله.
أخوكم: جميل الحجيلان
* * *
حفظ الله - جميل الحجيلان - وجزاه عني ما وجدت منه من رعاية وعطف، ومتع زملاءه ومحبيه ومريديه بلقاءاته، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.