الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
من الطبيعي أن يحب الأطفال اللعب، لأنه يساعدهم على التعليم وتنمية المهارات إذا أحسن اختيار اللعبة واستثمارها، ويمكن أن تكون السبب في انشغال الطفل عن واجباته، وخطراً على صحته، واكتسابه لسلوكيات سيئة تؤثر عليه ومجتمعه.
منظمة الصحة العالمية في خطوة هي الأولى من نوعها صنفت إدمان ألعاب الفيديو «الألعاب الإلكترونية» باعتبارها «مشكلة صحية وعقلية»، وذلك في أحدث تصنيف للأمراض أصدرته المنظمة، والذي أشارت فيه إلى أن إدمان ألعاب الفيديو قد يؤدي إلى ضعف كبير في المجالات الشخصية والأسرية والاجتماعية والتعليمية، أو المهنية وغيرها من المجالات المهمة.
«الجزيرة» التقت مع مجموعة من المهتمين في العلوم التربوية والطبية ليتحدثوا عن أهمية اللعب عند الأطفال، ومخاطره على دينهم، وصحتهم، وسلوكياتهم.. فماذا قالوا؟.
تأثير المشاهد
تقول الأستاذة عائشة بنت عادل السيد الخبير التربوي في حماية الطفولة، والمؤسس لفكرة مجلس الطفولة آمنة بجدة إنه لفرط ما أذهلنا مما يعرض على الأطفال من ألعاب وتطبيقات في وسائل التواصل والمنصات أصبحنا نخاف من تأثير مشاهد العنف الجسدي على الطفل، وما تحدثه من برمجة عقلية الطفل على العنف مما يحتم علينا عدم إغفال هذا الجانب الخطير.
وأن ما آلمني أكثر في عالم الطفل من تداخل كبير لسلوكيات العنف ابتداءا من اللفظي إلى الجنسي مروراً «بالفكري والعقدي والأخلاقي مما يجعلنا في موقف التصدي حتى لا نندم حين لا ينفع الندم، وحتى لا يخرج الأمر مستقبلاً» عن سيطرة المربين بل وسيطرة الأمن المجتمعي، ولعلي من واقع تخصصي وعملي وصلتي الوثيقة بالطفل أطلقها صيحة يبلغ مداها الوالدين، والمربين، ووزارة التعليم، وهيئة الأمن السيبراني وكل من له صلة بالطفل أن الأمر خطير جداً، وعلينا المسارعة والاستدراك، بأن نلملم شتات الأمر حتى نحظى بطفولة آمنة في وطن آمن.
فوائد اللعب
وتوضح الدكتورة منى بنت علي الحمود الخبيرة التربوية أن العديد من الدراسات تشير إلى وجود أثر إيجابي وعلاقة ارتباطية موجبة بين استغراق الأطفال باللعب وتطور المفاهيم اللغوية والطلاقة الفكرية لديهم، من خلال تفاعلهم الاجتماعي المشترك أثناء اللعب، وتنمية القدرة على الاستكشاف وخوض التجارب الاجتماعية غير الفردية، مما ينمي لديهم حب الاستطلاع والتفكير والإدراك، والتي من خلالها يكتسبون اللغة والتعبير وتتطور لديه بنية المفاهيم والتراكيب؛ فاللغة بلا منازع هي أهم أدوات التواصل الاجتماعي المباشر وغير المباشر، كما بشرت نتائج دراسات أخرى بالنجاح الأكاديمي للأطفال الأكثر لعباً، فللعب دور مهم في تطوير العديد من المهارات الأكاديمية كالقراءة والكتابة والتعبير، ومن جانبها أوصت العديد من الدراسات بالعديد من الإستراتيجيات لتطوير اللغة من خلال اللعب منها: السماح للطفل بقيادة مواقف اللعب، وتبادل الأدوار، وتمثيل الأدوار وهي التي قد يمارسها الطفل بكل طلاقة من خلال اللعب الايهامي حتى ولو بمفرده، الاهتمام بلغة الجسد والتواصل غير اللفظي، تعريض الطفل لمفردات جديدة أثناء اللعب كاستخدام ألعاب الكلمات أو الأغاني وترديد الأهازيج والتفاعل معها.
غير أن فوائد اللعب في حقيقة الأمر تتعدى تنمية اللغة فحسب لتصل إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تبنت العديد من النظريات والدراسات المفسرة للعب فلسفة ضرورة اللعب على أنه حاجة ملحة للترويح والاستجمام، والتنفيس عن الطاقة الزائدة كما أنه وسيلة للتعلم والإعداد للحياة والتدرب على المهارات، وعليه ينظر العديد من العلماء لاسيما علماء النفس والتربية ومن أبرزهم «جان بياجيه»: (Jean Piaget -1896 1980)، والذي أشار إلى أن اللعب هو الوسيط الذي يحدث من خلاله النمو العقلي والأخلاقي عند الطفل، كما يعد اللعب مطلباً أساسياً للنمو الجسدي، والنضج الوجداني والانفعالي من خلال إحداث التوافق بين حاجات الطفل وما يجب أن يكتسبه، فاللعب يهذب أنانية الطفل الفطرية وينأى به عن ضيق الأفق في المراحل المتقدمة، هذا إلى جانب دور اللعب في تنمية الخيال والإبداع حيث يندمج الطفل بعالمه المحيط به ويخلق له سيناريوهاته، كما يساهم اللعب في السيطرة على عديد من مخاوف الطفل ويجيب على الكثير من تساؤلاته من خلال التجريب وتقمص أدوار الكبار كذلك، إلى جانب أهم باعث على اللعب وهو المتعة وتكرار الخبرات السارة.
أنواع الألعاب
وصنفت د. منى الحمود أنواع الألعاب إلى قسمين رئيسين هما: الألعاب الحركية، وغير الحركية، والأخيرة تشمل ألعاب الورق والشطرنج والألعاب الإلكترونية غير الحركية، وسواء كانت الألعاب حركية أو غير حركية منظمة أو حرة، فهناك ما يجب أخذه بعين الاعتبار عند ممارسة اللعب:
- الأمان بأن تكون آمنة بذاتها وأيضاً في المكان الذي تمارس فيه، فالكرة آمنة لكن قد يكلف ممارستها في مكان غير آمن الكثير، وهذه الخاصية ذات أهمية حتى في الألعاب الحرة.
- مناسبة اللعبة لعمر الطفل.
- أن يشارك الطفل في اختيارها، ومن الممكن أن يترك للطفل حرية اختيار أكثر من لعبة ثم بعد ذلك يعمل ترشيح لأنسبها من وجهة نظره، وهنا ننمي في الطفل الثقة في اختياراته وتحمل نتائج قراراته.
- الموازنة ما بين الألعاب الحركية وغير الحركية، وعلى الرغم من كون اللعب حق عالمي منصوص عليه لدى منظمة الأمم المتحدة، إلا أن إدمان الألعاب غير الحركية والاكتفاء بها فقط، وعلى رأسها الألعاب الإلكترونية، قد يوقع الطفل في مصيدة العديد من الأمراض الصحية والنفسية، وتنقلب اللعبة من «مرح إلى ترح» كما يقال؛ فالدراسات أشارت ولا تزال تسفر عن التداعيات السلبية لمثل هذه الألعاب إذا لم يؤخذ أمرها بعين الاعتبار بجدية.
- إدارة وقت اللعب، وتعويد الطفل شيئاً فشيئاً على قيادة إدارة وقته بنفسه.
- ربط الطفل بإرثه الشعبي الثقافي، من خلال إثراء معرفته بالألعاب الشعبية في مجتمعه، وألفاظها اللغوية ومضامينها. وبالمقابل زيادة حصيلته الثقافية بتعريفه على الألعاب من ثقافات أخرى وتنبيهه لأوجه التشابه والاختلاف الثقافي من باب المعرفة لا من باب المفاضلة، ليساعد ذلك في ردم فجوة اختيار الأطفال لبعض الألعاب التي قد لا تتناسب مع رموزهم الثقافية، والتي من أهمها الدين واللغة؛ فمنع الأطفال كما يراه البعض ليس هو الحل المثالي أمام ذلك:
- يمكن للمربين أثناء اللعب أن يرسلوا العديد من الرسائل الأخلاقية لذهن الطفل بطريقة غير مباشرة، كما يمكنهم الكشف أثناء اللعب عن العديد من المشكلات التي قد لا يستطيع الطفل التعبير عنها مباشرة.
- ترك أكبر مساحة حرية ممكنة للطفل أثناء اللعب حتى يكون خبرة إيجابية سعيدة تحرره من الواقع.
- إدخال عنصر الحيوانات الأليفة في اللعب، لما لذلك من أثر إيجابي على صحة الأطفال النفسية كما أشارت لذلك العديد من الدراسات التي برهنت على أثر اقتناء الطفل لحيوان أليف على توازنه وصحته النفسية.
- البعد عن كبح مشاعر الطفل، كالبكاء عند الخسارة في اللعب أو الوقوع والألم.. ونحوها.
- ألا تكون الألعاب فقط وسيلة «لتسكيت» الأطفال وإبعادهم عن أجواء الكبار والذين قد يتمنى بعضهم أن يكون أطفالهم مع هذه الألعاب حتى نومهم.
مراعاة سن الطفل
ويذكر الدكتور محمد ميسرة استشاري الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى الحمادي بالرياض، عضو الكلية الملكية الطبية ببريطانيا: أن الذكر والأنثى قد حباهما الله بصفات خاصة ومشتركة تناسب التركيب الجسماني والاستعداد الذهني والنفسي، فمثلاً نجد أن الأطفال الذكور تتصف حركاتهم وألعابهم بالعنف والاعتماد على القوة العضلية كالتسلق ولعب الكرة والركلات وحب اقتناء المسدسات مثلاً، في حين تتمثل الرقة والأمومة المبكرة في الإناث فنجدهن يستمتعن بقضاء ساعات وهن يحملن العرائس الصغيرة مبدين كل رعاية واهتمام، إلا أنه أحياناً وحين ينمو طفل ذكر مع أخواته البنات تتأثر بعض تصرفاته والعكس صحيح، أما عن اللعب والتقليد والغيرة واللجوء للكبار للحماية والأمان وغيرها من الصفات فكلها مشتركة بين الجنسين.
ويستطرد قائلاً: وهنا نجد أنفسنا أمام عدة أسئلة كالعوامل التي يجب مراعاتها عند شراء ألعاب الأطفال وتأثيرها في تنمية القدرات الذهنية ، وإمكانية حدوث تأثيرات سلبية عند توفر ألعاب خاصة بأحد الجنسين على الجنس الآخر، وانطلاقاً من الحقيقة العلمية التي تقر بأن الانسان يولد مكتملاً من الناحية العضوية ولكن يمر بالضرورة خلال مراحل لنمو مقدراته العقلية، نجد أنه من الضروري مراعاة سن الطفل وقدراته واستعداده إلى جانب اعتبارات الجودة والأمان للألعاب، والفائدة التربوية التي تعود على الطفل، مع ضرورة التأكد من عدم وجود أي عنصر يهدد الأمان للأطفال كطلاء الألعاب بمادة سامة كالرصاص أو احتوائها على مادة شديدة الاحتراق ، أما عن الألعاب المشتركة للجنسين فلابأس في ذلك إذ قد يولد ذلك نوعاً من المنافسة الجيدة بينهما، كما أن إعطاء الطفل حرية اختيار لعبته مع التوجيه والإرشاد يساعده على تنمية شخصيته واستقلاليتها ويكسبه ثقة بالنفس.
الألعاب الصعبة
وينبه الدكتور ساري دعاس استشاري الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى الحمادي بالرياض، والمجاز من هيئة البورد العربي، عضو الجمعية الطبية الأمريكية: إن الطفل يحب اللعب لا لأنه شيء سهل بل لأنه شيء صعب وهو يحاول في كل ساعة من ساعات اليوم أن يتدرج إلى الأعمال الأكثر صعوبة وأن يقلد الأطفال الأكبر سناً منه فيما يعملونه، وكثيراً ما تشكو الأم من أن طفلها قد سئم لعبة وتحول عنها إلى الأطباق والأدوات المنزلية يضعها فوق بعضها، والسبب في هذا هو أنه يرى أمه تلعب بهذه الأدوات وليس بلعبه ولذلك فهو يرى فيها متعة أكبر ولعل هذا هو السبب في أن الأطفال يستهويهم العبث بالأدوية والسجائر وغيرها من حاجات الكبار، مشيراً إلى أن معظم الأطفال يفضلون اللعب البسيطة ويلعبون بها مدة أطول، وسبب ذلك ليس بساطة هؤلاء الأطفال ولكن السبب هو أنهم واسعو الخيال وبعض الآباء الذين لا يملكون مالاً كثيراً يشعرون أحياناً بحزن لأنهم لا يستطيعون أن يشتروا لأطفالهم سيارة صغيرة ليركبها طفلهم أو منزلاً بأدواته يلعب به والواقع أن الطفل قد يسر أكثر من صندوق صغير فارغ قد يستعمله كسرير تارة أو يعتبره منزلاً تارة أخرى أو سيارة نقل ولربما مخزناً مرات أخرى وأخرى، كما أنه ليس أمراً ضرورياً شراء اللعب الجميلة الغالية فالأشياء البسيطة تأتي أولاً وقد تكون أمتع كثيراً للطفل، وسيأتي الوقت الذي يطلب فيه الطفل دراجة ونرغب في شرائها له، وصغار الأطفال يحبون عموماً الأشياء ذات الألوان الزاهية التي يستطيعون الإمساك بها بأيديهم أو تصدر عنها أصواتاً مختلفة أو يمضغونها بفمهم كاللعب البلاستيكية وليس هناك خطر من هذه اللعب طالما أن نوعيتها جيدة.
ويهتم هؤلاء الأطفال بوضع شيء داخل آخر ثم يجذبونه على الأرض أو يدفعونه هنا وهناك والواقع أن حب دفع الأشياء يسبق حب جذبها ولعل هذا يفيد في حسن اختيارنا اللعبة الأنسب للطفل الصغير على أن بعض الأطفال يحبون العرائس الرخوة والدمى الصوفية خلال السنوات الأولى من حياتهم بينما يمقتها البعض الآخر تماماً.
وعندما يصل الطفل إلى الثانية من عمره فإن اهتمامه بالتقليد يزداد، فهو يبدأ أولاً بتقليد الأشياء التي يعملها والده ووالدته كالكنس وغسل الأطباق وحلاقة الذقن.. وعندما يكبر أكثر فإنه يميل بخياله إلى الابتكار وهنا تأتي فترة العرائس وسيارات النقل والسيارات الصغيرة والمكعبات الخشبية فهو يضعها فوق بعضها البعض ويتخيلها عمارة كبيرة، ثم يضعها بجوار بعضها ويتخيلها قطاراً طويلاً، وهكذا نجد أن علبة مليئة بهذه المكعبات الخشبية قد تشغله وتمتعه أكثر كثيراً من لعب عديدة أخرى.
تدخلات الكبار
ويستطرد الدكتور ساري دعاس قائلاً: إذا اشترك شخص كبير مع الأطفال أثناء لعبهم فإنه كثيراً ما يشعر بإغراء لكي يجعل لعبهم أكثر تعقيداً؛ فهذه أم أخذت أقلام ابنها الملونة بعد أن صار يلون صوره عشوائياً لتعلمه التلوين على أصوله، وهذا أب تدخل في لعب ابنه بالقطار الجديد وصار يعلمه كيف يربط القضبان ويملاً الزنبرك، وغالباً سيضيق الأطفال بتدخلات الكبار هذه لأنها أعلى من مستوى إدراكهم وسينصرفون عن هذه اللعبة كلية ليصنعوا شيئاً آخر يجدون فيه لذتهم بطريقتهم الخاصة، وطبعاً سيأتي وقت يستطيع فيه هؤلاء الأطفال التصرف جيداً بهذه اللعب المعقدة كل في فترة معينة من فترات نموه ولن يستطيع الكبار أن يتعجلوا ذلك فإذا حاولوا فلن ينجحوا إلا في إشعار الطفل بأنه لا يصلح لهكذا عمل، ولاشك أن الطفل يسعده أن نلعب معه ولكن بطريقته وعلى مستواه الفكري هو، ولذلك يحسن بنا أن نتركه يرينا كيف يكون اللعب بدون مساعدته إلا إذا طلب هو ذلك، وإذا اشترينا له يوماً لعبة شديدة التعقيد فإما نتركه يستعملها بالطريقة التي تحلو له حتى ولو حطمها (وهي غالباً طريقة خاطئة)، وإما أن نخفيها حتى يكبر في السن ويدرك ماهي.