«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
الباحثون والمهتمون بالتاريخ يعلمون أن هناك إرثًا تاريخيًا ما زال مجهولاً عند العرب من بينها (الأدب المورسكي) وإن كان عدد من الباحثين تناولوا قليلاً من هذا التراث: عملًا لإنجاز متطلبات بحثية, وهناك مخطوطات من التراث (المورسكي) وبحوث مترجمة عن الإسبانية في هذا التراث كمخطوط تحقيق (محمد عبد السميع) تصدير إسماعيل سراج الدين, غطى الكثير من التراث في هذا الجانب.
«الثقافية» تسلط الضوء على «الأدب المورسكي» وأبرز الأسباب التي أدت إلى تداعي اللغة العربية وضياعها بعد ذلك, إضافة لضياع التراث العريق والعادات والتقاليد, التي ظلت لقرون تسود وتقود حضارة وثقافة في ذلك الجزء وفي تلك الفترة. للحديث عن هذا الموضوع نستضيف عضو اتحاد المؤرخين العرب التابع للأمانة العامة لجامعة الدول العربية الدكتورة (ميسون مزكي العنزي).
أكدت الباحثة «د. ميسون العنزي» أن الأدب المورسكي حفظ الكثير من التراث «القشتالية» وبدوره هذا التراث عبارة عن أصوات للغة الرومانية لشبه جزيرة ايبيريا. هذه التوطئة مهمة لمدخل حديثنا في جانب مهم من التراث العربي الإسلامي وعادات وتقاليد ولغة ودين قد تغيب عن البعض حين يبحث عن دواعي ودوافع ضياع التراث العربي في الأندلس, بعد حملات قاسية تعرضوا لها ووجدوا أنفسهم أمامها طالت مجالات ارتباطهم بالدين واللغة التي يتحدثون بها وعلومهم والتراث الحضاري والثقافي الفكري الخاص بهم – الحملات التي تعرضوا لها والقوانين والإجراءات التي وجدوا أنفسهم أمامها - خاصة أن الثمن الذي دفعوه في سبيل الحفاظ على الإسلام والعروبة في الأندلس لتبقى عربية, دفعوه من دمائهم وأموالهم وغير ذلك.
إنّ من وقع تحت العصي ليس كمن يعدها. هذا التراث والإرث الذي عرجت عليه للاطلاع والمعرفة وتعريف الآخرين به, ينبئنا كيف قاوم هؤلاء الأبطال وصمدوا, ليتباهى بهم التاريخ اليوم. وفي سبيل ذلك تنبؤوا في المستقبل الذي ينتظرهم في الأندلس ما جعلهم يثابرون ويتمسكون بكل بقعة أرض من أراضهم, حتى أنهم كتبوا مخطوطاً بالتنبؤ بذلك المستقبل وأشاعوه بين الناس. وكانوا يتسمون باسمين مجبرين, ولا يقيمون الصلوات إلا في منازلهم خفية, وفرض عليهم طريقة معينة في اللباس والطعام ورغم ذلك كانوا متمسكين بلغتهم رغم صدور قانون اللغة عام 1462م، إلا أنه ومع تقادم الزمان كانوا ينسون شيئًا وشيئًا ويفقدون جزءاً من تراثهم.
أما (آرعون) فقد كان لديهم مسلمون على قدر من الثقافة يعملون بالتجارة ومسلموا (قشتالة) وكانوا يتحدثون (الرومانثية) مثل لآرغون, ويكتبونها بالحروف العربية, مما أدى لظهور اللغة الأعجمية بلغة قشتالية فريدة, ولدراسة الثقافة العربية وحضارتها الراقية في إسبانيا لا بد من تعلم هذه اللغة التي تحفظ التراثين العربي والإسباني.
وعن الأدب الإسلامي الذي ظل بعد ذلك صامدًا, بينت الدكتورة العنزي: الأدب الإسلامي الخاص بالمسلمين المتأخرين بقي في الكهوف, بخط اليد محفوظ في الكهوف وأسقف المنازل وغيرها, بقيت مخبأة لأكثر من قرنين من الزمن حتى اكتشفت في القرن التاسع عشر في أكثر الاكتشافات أهمية المتعلقة بهذه الوثائق, في منطقة (بونيا دي لا سييرا) بسرقسطة وسان سبستيان وثويا...
كما تجدر الإشارة إلى أن بعض المستشرقين قد أنصفوا هذا التاريخ العميق العريق ومنهم جوستاف لوبون في كتابة (حضارة العرب) والمستشرقة الألمانية زيغريد هونكة, وغيرهم.
وأكدت الدكتورة ميسون العنزي ازدهار الحركة الأدبية وازدهار حركة التأليف في موضوعات متنوعة من الأدب العربي, قائلة:
تلك الفترة, تنوع الأدب وطرق مجالات عديدة مثل (القصص الدينية والتاريخية و والشعر وأدب الرحلات...), وكان هناك ميل إلى بعض القصص الأسطورية إضافة إلى بروز فن آخر في الأدب «فن القانون» وهو عبارة عن مختصرات في فن التجارة من بيع وشراء وإيجار وميراث وزواج.. وغيرها, لكن – للأسف - بعد تدهور (التراث الموسكي) حل أدب الخرافات والشعوذة والسّحر الأبيض والعرافة.. إلخ وربما حدث هذا الانحطاط الأدبي نتيجة ابتعادهم عن تعاليمهم الدينية ما ساهم في انتشار الجهل وصولهم تلك الحالة.