فيصل خالد الخديدي
تعيش الرياض حالة من الفن والضياء لم يشهد لها الوطن ولا الفن به من قبل مثيلاً، (نور الرياض 2021 ) الاحتفال السنوي للضوء والفن، وهو احتفال بالفنون والأضواء جعل من الرياض معرضاً مفتوحاً على مدار أسبوعين تحت عنوان (تجمعنا سماء واحدة)، جمع إبداعات نخبة من الفنانين العالميين والسعوديين جاوزت الستين عملاً في حوار مفتوح بين العراقة والأصالة والحداثة وماضي الرياض وحاضرها، ركزت عروض الأعمال على موقعين رئيسيين للاحتفال بالضوء والفن والرياض، وهما مركز الملك عبدالعزيز التاريخي ومركز الملك عبدالله المالي وأحد عشر موقعاً آخر حول المدينة بأعمال فردية أو ثنائية، وهي (الحديقة الرياضية بالنخيل، المدينة الرقمية, برج المملكة, حديقة وادي حنيفة, حديقة وادي نمار, حي طريف التاريخي, قصر الثقافة في حي السفارات, قصر المصمك, مكتبة الملك فهد الوطنية, واجهة الرياض) في عمل تكاملي بين المؤسسات الحكومية والخاصة قادته الهيئة الملكية لمدينة الرياض والرياض آرت وبشراكة العديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة جعلت من ميادين وحدائق ومباني الرياض تحفة من ضوء متوهج بعمل احترافي وحدث عالمي جاذب.
خارطة النور
صافحت أعين المتلقين عشرة أعمال فنية في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي متوزعة بالحدائق والساحات المخصصة بالمركز، أما الأعمال الفنية في مركز الملك عبدالله المالي فتوزعت ثمانية منها على الساحات والمواقع الخارجية والمباني بالمركز المالي، وجمع مركز المؤتمرات أعمال معرض (نور على نور فن الضوء منذ الستينات) الذي توزعت أجنحته على أربع أشعة عنون، الشعاع الأول بـ( إدراك الضوء) بثمانية أعمال، والشعاع الثاني (تجربة الضوء) بتسعة أعمال، والشعاع الثالث (إسقاط الضوء) بسبعة أعمال, والشعاع الرابع (الضوء البيئي) بخمسة أعمال.
الضياء والوفاء
حضر الوفاء في نور الرياض لاثنين من رواد الفن في السعودية ممن أشعلوا الضياء في أروقة الزمن ليؤسسوا لنور الفن ويضيئوا بألوانهم تاريخ الفن السعودي، فكان لهم حق الوفاء بنشر أعمالهم على موقعين مهمين بالرياض بتقنية عروض الإسقاط الضوئي ثلاثية الأبعاد (3d projection mapping)، وهما الفنان محمد السليم -رحمه الله- وعرضت صور أعماله على مبنى مكتبة الملك فهد الوطنية، والفنان علي الرزيزاء عرضت أعماله على أسوار قصر المصمك، فظهرت أعماله في المكان المناسب لها موضوعاً وفلسفةً، في مشهد مهيب وتكريم مستحق لهما ولأعمالهما ومشاركة المتلقين هذه المتعة في عرض أعمالهم طيلة أيام فعاليات نور الرياض.
مسرحة الضوء
في الهواء الطلق بحديقة السور بنى الفنان سعيد قمحاوي عالمه المتخيل ومسرحه الشخصي, فنصب باحترافية أعمدة منزله ليؤثث في ذلك الفضاء المفتوح شيئًا من الحنين بفكر وفلسفة عميقة جعلت ذاكرة المكان حاضرة، فخلق حالة مسرحية متكاملة الأركان بمؤثرات صوتية وإضاءة وفكرة وحبكة وسيناريو وسنيوغراف، وحتى يكتمل المشهد جعل من المتلقين والزوار لعمله مؤدين وممثلين يتلبسون الحالة بمجرد ولوجهم لمساحة عمله الذي أسماه (زولية أمي)، وجعل من صورة سجادة أمه المهداة لها من والده مصدر الضياء في العمل، والذي يسقط من السقف فضاءه المفتوح ليبدأ مؤثراته مع بزوغ نور الزولية بشقشقة العصافير وصوت دقات (النجر)، وتستمر البهجة والنور بصوت زغاريد الفرح، ليبلغ ذروة النور والنشوة بصوت مقطوعة من أغنية قديمة للفنان فاضل الزهراني بقصيدة فاق عمرها الستين عاماً للشاعر محمد دغيثر بإيقاعٍ جنوبي راقص يخفت مع ضوء الزولية معلناً عن نهاية نهار من فرح وثقه الفنان بكثير من الحنين لامس مرتادي هذا العمل فجعلهم بذكاء جزءًا من هذا العمل.
ولم يكن عمل الفنان زمان جاسم أيضاً ببعيد عن خلق شيء من الحالة المسرحية، ففي عمله (لما أكتمل القمر) قدم تسع قطع بين دوائر مكتملة أخرى منقوصة في مشهدين منفصلين متصلين في الوقت نفسه بإشارة للرحيل الحتمي، وأن اكتمال الأشياء إيذاناً برحيلها وجعل أعماله محملة بالذكريات والحنين للماضي، ومبعث الضوء من داخل العمل أعطى عمقاً ودلالة بقوة النور الداخلي في رحلة الإنسان، وأضاف حالة إبداعية خاصة بمؤثراته الصوتية والخطية والضوئية التي تحمل شيئًا من تراث المنطقة الشرقية اشترك فيها شعراً يوسف آل بريه وأداء محمد تلاقف ورباب إسماعيل وخط حسن رضوان وإخراج محمد سلمان.
ومضات من الضوء
كثيرة هي الأعمال في نور الرياض التي قامت على الضوء في بنيتها وحققت الدهشة والصدمة في تلقيها وشاركت المجتمع في التفاعل معها والمشاركة فيها، ولكن هناك بعض الأعمال تأبى أن تفارقنا كمتلقين حتى وإن فارقناها وتظل تسكن التفكير وتخاطب الوجدان لفترات, منها على سبيل المثال ليس الحصر العمل المبهر عمل سكالار للفنانين كريستوفر بودر مع كانغدينغ والذي حقق كثير من الدهشة والإبهار، كذلك عمل رصد مدينة الرياض لاستديو فاو والذي امتاز بجمال الفكرة وبساطتها وعمق رسالتها, وعمل الفنان أحمد ماطر مراكز الطاقة الذي ناقش موضوع القوى الخفية بخفة واحترافية من خلال ومضات صاعقة لضوء، وعمل أناكسيماندر العائد للفنان رافائيل والذي يبث من خلال شاشة مخصصة بث مباشر من الشمس، كما كانت ومضات عمل الفنان أيمن يسري آسرة ومحركة لسيل صور من الذاكرة التي تحاول جاهداً استحضار شيء من ملامحها ولكن دون جدوى, وأما عمل الفنان راشد الشعشعي والذي اعتمد على الطرد المركزي في تقنيته والعلاقة الطردية بين الضوء والإظلام في دلالته فحضرت متعة العمل دلالياً وبصرياً.
إصدار من نور
جاءت صور جميع الأعمال المشاركة في هذا الحدث الفريد والنسخة الأولى من نور الرياض في إصدار أنيق تكون من كتابين جمعهما مغلف واحد اشتملت على صور الأعمال المعروضة وأسماء الفنانين المشاركين وسيرهم الذاتية وفلسفة الأعمال ورسالة من فريق الرياض آرت وفريق نور الرياض وقراءة وتقديم لكل تبويب في المعارض والكتب، وحصر للشركاء والقيمين والمشاركين في تنظيم نور الرياض.