عبد العزيز الصقعبي
ينتظرون خبراً مبهجاً منه، يأتي ومعه إحدى الصحف، ويقرأ عليهم خبراً، ويبدأ النقاش حول هذا الخبر، مجموعة رجال يجلسون على الأرض في بيت شعبي قديم نسبياً، أصغر هؤلاء الرجال في منتصف الأربعينات، ليسوا أقرباء، ولكن كان مصيرهم أن يقطنوا حياً منسياً، يقع في جنوب مدينة كبيرة تتغير وتتوسع دوماً، هم مستقرون وراضون بحياتهم، وتعاستهم، المهم أنهم يسكنون بيوتاً ألفوها، وأغلبها كانت لآبائهم وربما لأجدادهم، لا يريدون أن يتغير شيء مطلقاً، لا بأس بالأسفلت والإنارة البسيطة التي نقلت حيهم من الطين والتراب إلى حي شعبي مقبول، منذ أكثر من عقدين من الزمن، في وقت تحقق لأحد سكان الحي معرفة مسؤول ساهم في التغيير، ليبيع الرجل بيته الواقع في طرف الحي وينتقل لأحد الأحياء الجديدة، عموماً لا يزال الجميع يذكرونه بالخير ويطلبون مساعدته عند احتياجهم لأي أمر دنيوي.
أغلب الرجال الذين يجلسون في ذلك المجلس علاقتهم بالقراءة والكتابة ضعيفة أو شبه معدومة، لذا فقد كان ذلك الرجل الذي يحضر معه الصحيفة ليقرأ عليهم أحد الأخبار مختلفاً، ربما ينطبق عليه مقولة الأعور في بلد العميان باشا، فهو الفاهم، والمتعلم، وصاحب الرأي السديد، حيهم منسي، لم يُذكر مطلقاً في الإذاعة والتلفزيون، ولا يرغب أحد أن يطالب بخدمات للحي، لأنهم يعرفون أن أهم خدمة تقدم لذلك الحي هي إزالته، وهو أمر يخافون وقوعه، لاسيما أن الحي قديم، قديم جداً، ولكن ليس عريقاً، آباؤهم أو أجدادهم أو أناس آخرون غادروا الحي بنوا البيوت التي يقطنوها قبل امتلاكها رسمياً، أغلبهم يعرف أن الأوراق التي توحي بملكيتهم للبيوت غير معترف بها، ولكن لا بأس من بقائهم حتى يوفروا مبلغاً بسيطاً من دخلهم الأبسط ليبقوا أحياء، بعضهم لا يملك بيتاً ولا يقدر مطلقاً أن يقطن في حي حديث، توجه إلى ذلك الحي العشوائي ليجد بيتاً بسعر مناسب له.
مباشرة نقول إن هؤلاء الناس يقطنون في حي عشوائي، يحلمون أن يعترف بتملكهم تلك البيوت نظامياً، ويُدعم بعضهم بترميم ببيوتهم الآيلة للسقوط، وبث الحياة بها من جديد، هم راضون بتلك البدائية، ربما أغلبهم يعرف أن أبناءهم سيغادرون حال بحثهم عن الحياة، وأغلبهم يعرف أن هنالك من يغادر الحي أو الحياة، ومن يأتي بديلاً عن الغائب مختلف، لذا شعر بعضهم أن الناس بدأت تتغير، بقي قلة في منطقة ربما هي أفضل موقع بالحي، أما بقية أجزاء الحي فسكنها من كرّس بدائيتها بل إن بعض السكان الجدد جلبوا تخلفهم معهم من بلدانهم البعيدة، أولئك الرجال الذين يجلسون في ذلك المجلس يعرفون ذلك، ويعرفون أن أحلامهم واهية، فلن يكون هنالك بيت بديل أو فرصة لتحسين الوضع، لأنهم اختاروا الحياة العشوائية، لم يبحثوا عن المتن وأعجبهم البقاء بالهامش، هم يجلسون في ذلك المجلس، ينتظرون أن يقرأ عليهم ذلك الرجل خبراً من الصحيفة التي يحملها معه، ربما تلك الصحيفة قديمة، ولكن ورد فيها إشارة لحيهم، وإفادة أن هنالك دراسة لوضع القاطنين به، وهذا يعني أحد أمرين، الاعتراف بالأوراق التي تثبت تملكهم لبيوتهم، أو تعويضهم ببيوت في أحياء نظامية، وهنالك أمر ثالث وهو عدم الاعتراف بتلك الأوراق وإمهالهم فترة زمنية قبل البدء بالإزالة، الجدل يرتفع، والرجل يعرف أن الصحيفة قديمة، ولكن عليه أن يمارس سلطته عليهم، وهم يتشبثون به، الأمر الذي جعلهم يقاطعون رجلاً ورث بيتاً من والده، وسعى لإثبات نظامية بيته، ليصل إلى طريق مسدود، وعرف أن ذلك الحي عرضة للإزالة، وجميع أوراق التملك غير نظامية، غادر الحي، وقبل أن يغادر أخبر الرجال بالحقيقة المُرّة، لم يصدقه أحد وتشبثوا بالجريدة وصاحبها.
المدينة تتسع وتبدأ بالتهام أجزاء من الحي، عمائر كبيرة، شوارع واسعة، والرجال في ذلك المجلس، يغادرون الحي أو الحياة تباعاً، والصحيفة يحتفظ بها ذلك الرجل، ويبحث عن حي عشوائي آخر به رجال يعيشون حياة سابقة، ولا يؤمنون بالتغير، ليُقرأ عليهم خبر به إشارة لحيهم وإفادة أن هنالك دراسة لوضع القاطنين به، ليبث في داخلهم أمل البقاء وإن كان قدرهم أن يعيشوا في مكان أشبه بالبقعة السوداء التي تشوه الثوب النظيف، تلك البقعة كانت منسية في زمن سابق، أما الآن فقد تغير كل شيء، حتى الصحيفة التي يفتخر ذلك الرجل بامتلاكها لم يعد لها قيمة، هل بقي أحد يستمع لرجل يقرأ خبراً في صحيفة.