«الجزيرة الثقافية» - جابر محمد مدخلي - كلوب هاوس:
في أمسية عبر كلوب هاوس جهت سؤالاً للناقد السعودي الأستاذ محمد العباس قبل البدء: حول ما هل تتوقع استمرارية برنامج كلوب هاوس أم توقفه؟
ليجيب العباس على تساؤلها بقول: هناك موجة عداء يخلقها المثقفون ليس من الناحية الأمنية؛ فهذه مسألة مختلفة لأن كل واحد يدخل هذا البرنامج قد وضع بصمته بالحدود التي يتحرك فيها. الشيء المستهجن هو من قبل المثقفين لأنهم غير متقبلين فكرة التغيير؛ لأنه برنامج قد لا يستجيب إلى نظامهم المعرفي، أو أن نظامهم غذائي الوجود هذا خالفه؛ ولذلك باتوا غير متقبلين له.
ثم جاءت البداية الفعلية للأمسية حين قدم الأستاذ إبراهيم آل سنان بدوره مديرًا للأمسية إلى جوار الأستاذة سعدية مفرح مقدمة بسيطة حول محاورها، ومن ثم بدأت الأمسية بسؤالها الرئيسي للضيوف: هل الجوائز الأدبية استحقاق أم تسويق؟
فأجاب د. خالد الجابر قائلًا: «في البدء أشكر الجميع على هذه الندوة وأعتقد أن المثقفين منذ بداية كلوب هاوس ومتابعة القضايا التي خطفت الثقافة تحت جناحيها، ونحن بجاجة إلى جهة ثقافية تتسع لكل الرؤى. وأما سؤال الندوة فيعد مسألة مهمة، وفي قناعاتي أننا وفي الخمس والعشرين سنة التي مضت أصبح الخليج أشبه بمنارة، ومنصة تنطلق منها الجوائز، وقد أثير حول هذه الجزئية جدل كبير، وبرأيي هو استحقاق ويعد تسويقيًا أيضًا. وكذلك لها أهداف تسويقية وترويجية للجائزة نفسها وكذلك للمثقف نفسه، والأهم أنها فتحت الباب لولادة مثقفين جدد، خاصة أن المثقف.. رغم الإبداعات، ورغم ما يبدر به من مبادرات إلا أنه مهمش بحال قارناه مع لاعب، أو ممثل، أو شخصيات أخرى التي تكّرم باستمرار، وأما المثقف فيأتي غالبًا في نهاية القائمة».
وأضاف أيضًا: «أنا على اعتقاداتي بأن الخليج اليوم هو الذي ينتج بشكل لائق وأن هناك تغيرًا كبيرًا في وضع المنطقة، حيث صارت الخليج تسوق الأدب وتورده كذلك. وأن الأضواء انتقلت للتركيز على العواصم الخليجية، وأعتقد لو نرجع للوراء فإننا سنجد بأن حادثة الحادي عشر من سبتمبر، والضربات التي تعرضنا إليها تباعاً كاجتياح العراق للكويت، واجتياح أمريكا للعراق، وصولاً للربيع العربي جعل من اتجاه العالم كله يوجه أنظاره للخليج العربي. وبدأنا من هنا للقيام بالسياسة الناعمة كالاستثمار الثقافي والتجاري وغيرهما، والجوائز الأدبية جزء من هذا الاستثمار.
ومن هنا بدأت الحركة العربية من جديد وقبلة خليجية يتجه إليها كل المؤلفين والروائيين، فلنرى أولاً كيف بدأت هذه الجوائز بعدد بسيط من المتشاركين ثم تزايدت كثيرًا وصارت بالآلاف».
وبعد نهاية تعليق الدكتور خالد الجابر لخَّص الأستاذ إبراهيم آل سنان حديثه ورأيه حول السؤال بأن الدكتور خالد يقول: إن الجوائز الأدبية هي مجرد قوة ناعمة ولكنها استحقاق للمؤلف وانتصار للمثقف والأديب، وأن الخليج استعادت مكانتها وانتشارها مجددًا بهذه الجوائز.
* * *
ثم وجَّه السؤال إلى الدكتور محمد النغيمش الذي بدأ جوابه بقوله: «لقد شاركت كثيرًا في مجالس إدارة وجوائز، وبرأيي أنها استحقاق وتسويق وإن كان البعض يرى أنها لا تستحق ولا يقبلها الآخرون. ولكن باليقين أن هذا ما يحدث حتى في العالم المتطور والآخر كالجامعات ووجود الكراسي كهارفرد وغيرها. وأما عن الاستحقاق فيعود لجدية الجائزة ونظام القائمين عليها كونه دقيقًا وحريصًا على استخراج الفائز، الاستخراج الذي لا يمنح الظلم ولا يعطي الحكم النهائي بالجور حيال بعض المثقفين والمبدعين. وكثير من الجوائز تدعوك للتقديم عليها. والبعض منهم يرى أنه يترفع كثيرًا عن التقديم بنفسه ما لم يكن هناك ترشيح من قبل الجائزة. وبهذا نحن نعيش بالنظر إلى حكم جدية الجائزة بإيصال الشخص المستحق إلى كل ما يستحق».
* * *
كما وجَّه السؤال ذاته إلى الناقد السعودي الأستاذ محمد العباس، والذي أجاب بقوله: «أتصور بأن الجوائز الأدبية جزء من المشهد الثقافي بشكل عام، وتشكل معيارية لجودة المنتج شعراً أو نثرًا أو رواية. هذه الجائزة التي تكتسب شرعيتها لا بد وأن تكون محصنة على مستواها الداخلي وعلى مستوى منتجاتها. والجوائز العربية بدأت بنوايا تسويقية بالمقام الأول للجهة التي تمنحها، ولكن هذا التسويق كان لا بد وأن يصاحبه نوع من الجدية حتى تكون درجة الاستحقاق ترتد بشكل إيجابي على الجهة المانحة، ولكن للأسف النتائج لم تكن كذلك بسرعة، وهذا ناتج عن تفادي النظام العربي بشكل عام على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي وبشكل سريع انهارت منظومة الجوائز العربية وقدمت لنا أسوأ النماذج في اختيار المنتج الأدبي. وكان من المفترض أن تقدم ما يشبه المنول كأن تقدم للقارئ حصيلة العام أو العامين لأفضل الروايات حتى يستطيع أن يهتدي لما يمكن أن يقرأ وما لا يمكن أن يقرأ. ولكن لأن القارئ أيضًا هو جزء من المشهد الثقافي لم يجد في هذه النتائج ما يرضيه وهو ليس أقل من لجان التحكيم التي للأسف بسرعة تداعت للنظر إلى القيمة المالية للجوائز وبدأت مافيا التحكيم تتحكم في الجوائز بمقتضى حسابات كلنا نعرفها، ولذلك تفسخت الجوائز بسرعة ووصلنا إلى نتيجة غير مرضية للجميع، وبدأ التسويق يمتد على الجهة المانحة لدرجة التشكيك على مستوى هذه الجوائز؛ ولهذا أعتقد بأننا في حاجة للوقوف أمام نقطة مهمة جدًا هنا .. هل نحن أمام أزمة جوائز أم أمام أزمة منتج إبداعي؟ هذا السؤال يطرحه القارئ وهو جزء من المشهد الثقافي، ويطرحه النقاد، ويطرحه حتى المشاركون الذين لم يفوزوا بالجوائز».
* * *
وما إن أنهى الناقد العباس إجابته حول سؤال الأمسية حتى انتقل السؤال ذاته للأستاذ عبد اللطيف بن يوسف، وهو الفائز بجائزة شعرية، ليجيب حوله قائلًا: «بالنسبة لي الجوائز نوعان، وأنا أتكلم هنا عن الجوائز الشعرية كوني مهتمًا بهذا المجال. جوائز منها مسابقات إعلامية وهذه غالبًا تسويقية بالمقام الأول. والنوع الثاني هي الجوائز الأدبية لارتباطها بلجان تحكيم. تعاملي أنا وتعامل كثير من الزملاء فيما يتعلق بالجوائز التي تندرج تحت ما ليس استحقاقًا، وليس تسويقًا؛ وإنما نتعامل معها كدافع مادي، وبهذا تصبح برأيي مسألة حصد أكثر من كونها استحقاق، لأننا حين ننظر إلى الشعراء الكبار كنزار ودرويش هل هم فعلاً أخذوا جوائز أم لا لأن الاستحقاق يفرضه الزمن الذي سيثبت هل تستحق الخلود أم لا؟ خاصة في مرحلة انهيار الحالة التسويقية لوجود المنصات المتعددة القائمة على الحالة الفردية، وأما المؤسسات فلا تذهب بك إلى أي مكان؛ فأعتقد أن هذا الجانب هو الذي يحفزك للاستمرار». وما إن أنهى حديثه حتى وجَّه له مدير الأمسية الأستاذ إبراهيم آل سنان سؤالًا آخرًا: هل انتشارك بعد الجائزة كان أقل أم أكثر؟
ليجيب: «لا يختلف قبل الجائزة أو بعدها. وأعتقد أن المؤسسة تجتهد وأنا أقدِّر لهم ذلك، ولكن الإعلام دائمًا هو الذي يقوم بدوره الأكبر والأهم».
* * *
ثم جاءت مداخلة للكاتب والناشر الكويتي الأستاذ فهد العودة حول السؤال ذاته فأجاب: «نحن أقل المستفيدين من الجوائز؛ لأنها تمنح للكاتب والكاتب هو من يتصرف بها وفق حريته، وحسب العقد المبرم مسبقًا: هل يُقدم للناشر شيء من الجائزة أم لا؟ وأما بخصوص الاستحقاق أم التسويق فالمعايير غير واضحة تمامًا، ونظام الجوائز غير واضح للعلن؛ حتى لجنة التحكيم الموجودة نحن لا نعرفها. وأما كونها تسويقية فلا أعتقد بأنها تقدم ما يجعلها راسخةً بالأذهان؛ ذلك أنك لو فاجأت أحدًا بسؤالك حول آخر فائز بالبوكر أو كتارا فلا أعتقد أنه سيتذكرها لا السابقة، ولا اللاحقة؛ لأنها -برأيي- لم تحصل على التسويق المرجو».
ولم يكد يفرغ العودة من حديثه حتى فاجأه الأستاذ إبراهيم آل سنان بمحور آخر، قائلاً: نحن كناشرين نضع على أغلفة بعض الكتب الفائزة عبارة «الفائز بجائزة كذا وكذا» وهذا وحدها تقدم مردودًا كبيرًا على مستوى المبيعات وغيرها.
ليجيب الأستاذ فهد العودة بقوله: «هذا قد لا يؤكل عيشًا، وليس كل من وضع على كتابه هذه العلامة سيكون صاحب حظ وافر؛ يمكنني القول إن أكثر الكتّاب المحظوظين لدينا بالخليج هما الروائي سعود السنعوسي، ومحمد حسن علوان، فقد حصلا على مبيعات كبيرة، ورواج عالٍ وكذلك على الاستحقاق. وحول هذا الملصق فما عاد تسويقًا؛ لأن القارئ بات ذكيًا ولا ينخدع لمجرد لاصق إعلاني؛ لأننا تعودنا على الأكثر مبيعًا في النيويورك تايمز وحين حصلنا على الكتاب وجدناه كلامًا فارغًا، وترويجًا وتسويقًا ليس إلا. فالاستحقاق هذه المنظومة الداخلية لا تصرح إلا بالعدد المُعلن ولم نقرأ الروايات التي شاركت بأكملها ليكون لدينا اطلاعًا حول العمل الذي يستحق والذي لا يستحق ونحن على يقين أن هناك أعمالًا لم تتأهل وهي أكثر جودة وجمالية من غيرها، وأخرى تأهلت وهي أقل جودة وإبداعاً. وبخصوص التسويق الأهم من ذلك: هل الرواية الفائزة حصلت على الرواج العالمي أم لا.. لأن الأدب هو مرآة البيئة؛ ليجد القبول لدى القارئ الأجنبي؛ ليقرأ مشكلة وقضية جديدة عليه.. لأن مجمل قضايانا مرتكزة على الحُب، والقضايا الاجتماعية الأخرى وجميعنا نعرفها».
* * *
ثم وجهت الإعلامية والكاتبة الأستاذة سعدية مفرح للدكتور علي السند، وهو أحد ضيوف الأمسية سؤالها: «العبارة المكتوبة على الكتب والروايات كفائز بجائزة البوكر، كتارا، نجيب محفوظ، الطيب صالح، وغيرها من الجوائز، هل بالفعل تجذب القارئ لقراءتها، أم لا؟
فأجاب: بالنسبة لي كقارئ، لا طبعًا. بدأت ألاحظ الجوائز وكيف تخرج، وفي الحقيقة لا يمكن أن يخطئ أي أحد في تقديره حول الجوائز باعتبارها كما قال: - د. خالد الجابر- قوة ناعمة. ولكن حين ترصد مبالغ كبيرة جدًا على هذه الجوائز فستكون رائحة السياسة قد فاحت فيها بشكل كبير، وبهذا قد يتم توظيف المثقف في معارك هامشية، أو حتى معارك وقتية. والمهتمون يعرفون الشللية التي تكون في الأوساط الأدبية وحتى في أوساط اللجان المشرفة على الجوائز». ليقاطع حديثه الأستاذ إبراهيم آل سنان ويعيده للسؤال ذاته حول العبارة الموجودة على الكتب -كما لو أنه التمس منه الخروج عن النص- ليجيب مضيفًا: «من الجانب العاطفي والنفسي من المؤكد أن يكون لهذه العبارة قيمة، وتأثير، ولكن في الوقت نفسه وباعتباري غير مطلع على الروايات ولكن عندما يأتيني ترشيح لرواية ممن أثق بذائقتهم وآرائهم لا شك أن هذا سيكون له قيمة. ولعلي أختم بعبارة لروائي قال: إن معظم الكتّاب أصبحوا يضعون أمامهم دفتر شروط الجوائز قبل الشروع في أي عمل روائي، وهذا هو ما يشكل لدينا مأزقًا كبيرًا في روايتنا العربية، وخصوصًا الجوائز ذات القيمة العالية، وفي الأخير: أحيلنا جميعًا إلى ما قاله الأديب رشيد أبو جدرة: «أعرف روائيين يمكن تسميتهم (بصائدي الجوايز الخليجية) لتنفيذهم لشروطها بدقة عالية».
* * *
بعد ذلك وجَّه الأستاذ إبراهيم سؤال الأمسية إلى د. خالد الحروب، وأضاف عليه: وهل نظرت الجائزة لهذا السؤال قبل البدء، ووضعته بعين الاعتبار؟
وإشارة إلى استضافة الدكتور خالد الحروب لهذه الأمسية باعتباره أحد المؤسسين لجائزة البوكر للرواية العربية، وأحد أمنائها الأساسيين. وقد افتتح حديثه بقوله: «أولاً شكرًا جزيلاً على هذا الحوار المهم. وبتقديري المتواضع أن لا نقع أسرى لهذا السؤال أو العنوان. لأنه أحيانًا تضعنا بين خيارين، ولكن علينا أن لا ننكر أهميته أيضًا». ثم تابع حديثه قائلًا: «في العام 2007م كنتُ في كامبردج ببريطانيا، وكنت قد تحدثت مع الأصدقاء والمثقفين العرب هناك، وكذلك في مصر والأردن والإمارات وكانت هناك تحركات لإنشاء جائزة البوكر العربية المعروفة بالتعاون مع الجائزة الأم البوكر البريطانية. وقد رأينا بالأساس تأسيسها خارج الدول العربية؛ وذلك هروبًا من الملاحظات التي تفضل بها الإخوة والأخوات سابقًا. ولكن وجدنا الإمارات العربية المتحدة شريكًا مؤسسًا وفاعلًا؛ شريطة أن لا يتم التدخل في سير الجائزة ولا لجان التحكيم ولا، ولا، ولا... إلى آخره. وفي أكثر من سنة فاز بعض الروائيين الذين لم يُسمح لهم بدخول الإمارات ونحن أصررنا على أنّ هذا العمل يستحق بحسب لجنة التحكيم وبحسب تقديرها. والآن الإمارات تستفيد كما تستفيد أي دولة أخرى من أي جائزة تمولها.. لكن هناك مسافة آمنة بالإمكان تخليقها لاستغلال الثغرات؛ فنحن نعيش الآن في هذا الجو المأزوم الراهن حاليًا في هذه العقود لا نستطيع الهروب منه. وكان الهدف محاولة استثمار هذه الثغرات بين التأثير الرسمي وبين سير هذه الجائزة. وأستطيع القول: إننا والآن تحديدًا وفي المجمل في تقديري نجحنا في ذلك إلى أن حصل التطبيع الإماراتي -الإسرائيلي.. وعني أنا فقد استقلت بعد عشر سنوات من رئاستي للجائزة؛ لاعتقادي أن عشر سنوات كافية.
ليرد عليه بقوله: «نعم. حققنا إيجابيات عديدة جدًا فقد عممت الجائزة قراءة الرواية بعالمنا العربي، وكشفت عن أسماء روائية عربية شابة كتابًا وكاتبات.. أعتقد لم نكن لنعلم بهم لولا الجائزة، كالسنعوسي، وعلوان، وكذلك: حمور زيادة، وحجي جابر، مع أنه فاز بجائزة كتارا.. وهي أسماء من بلدان كنا نعتبرها بلدان الأطراف؛ وقد أصبحوا في قلب الحدث الروائي العربي. أعتقد أن هذا يعود للجوائز. والجوائز لا تصنع أدباء من الصفر وإنما تكرس المعرّفين وتكشف الأدباء الحقيقيين لكن المغمورين. والجوائز أيضًا ساهمت في فتح مجالات عددية لترجمة الأدب العربي والروايات إلى لغات أخرى لأنها بالإعلام والحضور والكثافة التي حدثت جعلت من الإعلام الغربي ينتبه إليها، وهي بذلك حققت شرط التسويق. ومع كل ما مضى إلا أن هناك سلبيات للجوائز يمكن اختصارها بأنها أسهمت في إغراق السوق بالغث».
* * *
ثم أحيل سؤال الأمسية ذاته للدكتور علي المسعودي مدير جائزة سعاد الصباح: ليجيب ابتدءًا بقوله: «سأنحي إلى جانب الاستحقاق؛ وباعتقادي أن الجوائز تعزز وجود الفائز الثقافي وهي مفرحة وسعيدة للفائز، ومن الأشياء الجميلة التي مرت بي أثناء إشرافي على عدد من الجوائز هو أنه وفي مسابقة في المجال الشعري وأثناء إشرافي على الجائزة فاز بها شاعر عراقي في ظل جمود العلاقة وتأزمها ما بين العراق والكويت ولا تتخيل فرحة الطرفين، ومثقفين كبار على مستوى البلدين. وفي الحقيقة لم ينظر أحد إلى الاسم ولا إلى الوطن لأنه كان مبدعاً ويستحق المركز الأول ولم يعرض على اللجان اسم البلد؛ ولهذا فاز بجدارة. وهذ جانب إيجابي في بعض الجوائز. ولكن بالجانب الآخر هناك مكاتب لصيد الجوائز وليس أشخاصًا فقط. فقد اكتشفنا مكاتب مشرفة على الجوائز البحثية تحديدًا والدراسات المتعلقة بذلك؛ وهم يعرفون جيدًا ما الذي يريده القائمون على كل جائزة ويقومون بتحقيق هذه الشروط. وأنا تحديدًا اطلعت على ذلك بنفسي. فهناك متسابقون فازوا معنا؛ لأنني لاحظت أن هناك أعمالاً تأتيني بالترتيب نفسه والصياغة نفسها وتختار أسماء معينة ولا نعلنها.. ولكن المكاتب هذه هي ذكية من الذكاء الذي اكتسبته بالخبرة؛ وعرفت كيف توصل الاسم الذي تقدم له عملاً وتحديدًا بالجوائز العلمية، أما الجوائز الأدبية فلا تستطيع أن تخلق مبدعاً».
* * *
وما إن انتهى المسعودي حديثه حتى أعادت إدارة الأمسية الحوار مرة أخرى إلى الناقد السعودي القدير الأستاذ محمد العباس حين وجهت له الأستاذة سعدية مفرح سؤالاً قالت فيه: قرأت لك مرةً بأنك تقول: «إن أخطر منعطف تعبر به الرواية العربية يتمثل في التلويح بالجوائز المالية الهائلة التي صارت تهدد بالفعل الخطاب الروائي العربي وتبعد الروائي العربي عن مبادئه وقضاياه وعن مرجعية الإنسان، فهل بالفعل المبالغ المالية المرتفعة أبعدت الروائيين عن قضاياهم المركزية، وما علاقة القيمة المادية بالجائزة بأي روائي يكتب أعماله»؟
ليجيب العباس قائلًا: «بتصوري هذه حقيقة؛ فجائزة نجيب محفوظ على سبيل المثال لا أعتقد بأن النقاد سيتذكرون مَن الفائز بها؛ فألف دولار لا تعني أي شيء. الجوائز المالية الكبرى والموجودة في الخليج -وللأسف- تعتبر هي المضخة المالية الكبرى لكل هذه الأمور، وأعتقد بأن مقولة انتقال المراكز من دمشق وبغداد والقاهرة مقولة خاطئة جدًا؛ فلا زالت هذه المراكز هي التي تترجم، والتي تنتج النظرية، وهي التي تبدع. الخليج ما زال هو المصدر المالي الذي يغطي كل ذلك الإنتاج. هذه القراءة الفاحصة والحقيقية. وأما قراءة المنتج الروائي ذاته، فيحتم علينا بالفعل التوقف عن طبيعة الموضوعات للروايات المتأهلة أو الفائزة، نحن نعاني من معضلة كبيرة الآن بعد جيل التأسيس في الرواية ثم جيل التأصيل نجيب محفوظ وغسان كنفاني والطيب صالح وما تلاهم. في العقد الأخير لاحظنا بأن مستوى الرواية العربية ينخفض؛ هذا المستوى الذي ستنتفي فيه الرواية العربية لن تتغير، ونسجل إعجابنا ببعض الأسماء الجديدة التي ظهرت ولكنها مجرد ضوء نحيل جدًا مقارنة بالكم الهائل من ازدهار الإرث الروائي بالعالم العربي لو قرأنا حتى التحولات هذا شيء يستلزم قراءة المنتج من داخله، زحزحة المرجعيات السوسيولوجية.. في يوم ما من الأيام الرواية الفلسطينية كانت رواية المخيم وكانت ذات قدرة على ضخ المبادئ والمواقف والآراء ولا نطالب بطبيعة الحال أن تستمر قرينة بالمخيم ولكن بتنا في المرحلة الأخيرة نقرأ روايات فيها رائحة التطبيع وتفوز هذه الروايات بالجوائز، وهذا الفوز لم يأت من فراغ -بتصوري- لأن هناك روايات فلسطينية لا يوجد فيها هذه الرائحة ولم تفز ولم تتقدم إلى الأمام، وهذا الأمر ينطبق على كل المرجعيات الأخرى، هناك مرجعية سوسيولوجية للعراقيين تمثلت مؤخرًا في الغزو الأمريكي وخراب العراق وبدأت تتزحزح في جهات أخرى. كل دولة عربية لها مرجعيتها. المرجعية السوسيولوجية للرواية اللبنانية كانت حول الحرب الأهلية وكنا نقرأ روايات الآن نقرأ عدد ما يشبه الهامش في الروايات اللبنانية. هذا الأمر يحتاج منا إلى نفحص هذا المنتج على مستوى سوسيولوجيا المضامين من ناحية مستوى استجابة هذه الروايات الفائزة إلى شروط وإملاءات الجوائز، ومن يقرأ بشكل فاحص ما الذي تريده الجهات المانحة لماذا هذه الروايات بالذات تأهلت وفازت، من المضحك جدًا في دول الخليج العربي وعلى مسافة كيلو مترات جائزة البوكر وكترا ومع هذا لا يوجد بينهما تنسيق خليجي إلا من باب دعائي وهي جوائز ضخمة جدًا ومغرية، ولكن من يتذكر من فاز بجائزة كتارا؟ روايات مصممة للجائزة نفسها. وأعتقد بأننا في حاجة بأن نرفع منسوب التأهب ونتخلى قليلاً عن الحذر حتى نتوصل إلى نتيجة».
* * *
وقد وجه السؤال ذاته إلى الروائي جابر محمد مدخلي، ليجيب بقوله: لقد استمتعت واستنرت بما قدمه من عمالقة وقراء لمشهدنا الثقافي من خلال إجاباتهم حول هذا السؤال، ولعلي سأنتحي بمنحىً آخر.. هو أن هذه الجوائز قائمة على نقطة مهمة يمكنني تسميتها من وجهة نظري بالتمحيص الروائي للمشاهد العربية وتحديدًا البوكر، لماذا؟ لأنها تستقبل عددًا كبيرًا وهائلًا من الأعمال الروائية، والقائمين عليها تمر عليهم روايات كثيرة وكبيرة بالآلاف وتحديدًا عندما نرى القائمة الطويلة ثم تليها القصيرة؛ فنجد أن هذا التمحيص أخذ حقه الطبيعي لمدة زمنية أخرجت من خلالها الأعمال الخمسة ثم الفرز النهائي بالفوز المحتم لهذه الجائزة. فقط وحتى تكون جائزة استحقاقية يجب أن تخلو من جميع العوامل الأخرى التي تعطلها، سواءً السياسية أو الشللية التي تحد من قدرة الاختيار الجيد لدى القارئ الذي هو المتلقي الأخير، وهو المشهد الأهم لفرز هذه الجوائز والحكم الذاتي عليها من خلال وجهة نظره، واحترام وجهة النظر هذه تتم بحال فاز عمل روائي جدير ويستحق الفوز، والجميع يتفق عليه، وليس من وجهة نظر لجان تحكيم مخترقة من الداخل».
وما إن انتهى مدخلي من حديثه حتى وجه له مدير الأمسية سؤالًا آخرًا: باعتبارك كمحرر ومراسل ثقافي في أهم الصحف الثقافية الخليجية، هل رأيت أن الجمهور مقتنع بالاستحقاق مع كل فوز يُعلن؟ وهل فعلاً أثرت الصحف في تسويق الروايات الفائزة؟
ليجيب قائلًا: «يستدعيني الجانب الأول من سؤالك لقراءة شخصية بعيدًا عن الصحف؛ لأن الصحف لا تغطي بمجملها الجوائز؛ فهناك صحف ملتزمة بنمط معين في تغطية كل جائزة.. ثمة صحف تكتفي بحوار مع الفائز المُعلن، وأخرى لا تغطي المناسبة أصلًا. لكني كمتابع ودقيق في تناول أخبار الجوائز وتحديدًا البوكر فقد حصلت مناوشات على مستوى الإعلامي والصحفي وليس على مستوى القرّاء فحسب وتحديدًا في جائزة البوكر للعام الذي حازت عليه رواية موت صغير للروائي السعودي محمد حسن علوان، وأعادوا تكرار عبارات المركز والأطراف؛ وكيف لهذا الطرف الصغير الذي لم يبلغ عمره الأدبي الخمسة عقود ويفوز بجائزة أدبية عملاقة على التوالي».
واختتم الروائي مدخلي حديثه حول جزئية التسويق بقوله: «نعم أرى أن هذه الجوائز في مجملها وخصوصًا المدعومة ماديًا بشكل كبير كالبوكر تحقق تسويقًا عاليًا لروائيين لم نكن نعرفهم قبلاً».
* * *
ثم فُتحت إدارة الأمسية المتمثلة بالأستاذ إبراهيم والإعلامية والروائية الكويتية سعدية مفرح باب لمشاركات المتابعين والحضور الذين انضموا مؤخرًا ومنهم الأستاذ إبراهيم المكرمي عضو لجنة تحكيم جائزة راشد للإبداع. والذي بدأ مداخلته بقوله: «في البدء سأعطي معلومة بأنّ فرنسا فيها ما يقارب الستين جائزة، وبريطانيا فيها عشرون جائزة، بينما مجمل جوائز العالم العربي لا تتجاوز الخمسين جائزة.. وهذا يعطينا منحنى آخر للنظر ما فائدة كثرة الجوائز، ونحن أمام هذه الغزارة الأدبية التي نراها؟ بالنسبة لكونها استحقاقًا أم تسويقًا.. أنا أشرفت على عدد من الأعمال بجائزة الشيخ زائد.
لكن ما الذي يجعل الدولة أن توفر جهودها لجائزة إبداعية وبتخيلي أنه عمل تسويقي كبير للدولة، والجائزة نفسها.
* * *
وقبل ختام الأمسية وجِّه سؤال للأستاذ محمد العباس: اتفق الجميع أنه لا يوجد حراك نقدي مسبق للجوائز، وأن النقاد لا ينتبهون للأعمال الأدبية إلا بعد الجوائز، وأنت كناقد هل حدث والتقطت عملاً من إحدى المكتبات ليس له تسويق، أو ترويج فقرأته ثم قلت هذا يستحق أو لا يستحق.. الناقد ينتقد الجوائز ولكن ليست هناك حركة نقدية وكأن الجوائز الأدبية هي من تضع الكتب بين يدي النقاد لينقدوها سواءً سلبًا أو إيجابًا.. فأين هذا الحراك النقدي الذي تحدث عنه البعض!؟.
ليجيب العباس بقوله: «الحراك النقدي لديه مأزق يوازي تقريبًا مأزق الرواية، ولكن القول بعدم وجود قراءات نقدية خارج الجوائز هذا كلام ليس صحيحًا. فرواية «حذاء فليني» لوحيد الطويلة على سبيل المثال لم تترشح لأي جائزة، ومع هذا قرأت بما يعادل خمسين قراءة نقدية إذا صح أن نطلق عليها قراءات نقدية، وهي لكتاب ونقاد كبار. قرأنا روايات لم تترشح ونادينا بأنها تكون في المقدمة ولكن لم يُلتفت لها، وشعرنا بمظلومية هذه الروايات التي لم تدخل -كما أسلفنا- بسب فساد الجوائز. التركيبة داخل لجان التحكيم -للأسف- كما أثبتت بعض الشكل الكتابي للروائي أفسدت الشريحة الناقدة بالعالم العربي. حُلم كل ناقد عربي الآن -ولا أعمم- ولكن معظم النقاد العرب أن يكونوا ضمن لجنة استشارية أو لجنة تحكيم؛ لأن فيها -أيضًا- جوائز نقدية كبيرة. وكلنا نعرف الأسماء وكيف تتكرر وكيف تتعاضد!.
* * *
وفي ختام الأمسية جاءت مداخلة الدكتور خالد السيد مدير جائزة كتارا للرواية العربية حول السؤال ذاته الذي وجهته له إدارة الأمسية، ليجيب بقوله: «لقد عملنا على أن تقدم جائزة كتارا وجوهًا شابة للمشهد الثقافي القطري والعربي بآن واحدة، فقبل هذه الجائزة لم تكن لدينا سوى خمس أو عشر روايات، وأما الآن وخلال سنوات قصيرة صارت لدينا عشرات الأعمال الروائية. وهذا كان هو السبب الرئيسي لرفع القيمة المالية للجائزة كعامل تحفيزي لجيل الشباب بالاهتمام بهذا النوع الإبداعي المميز.
ثم أضاف بأنهم على اتصال وثيق بأمناء جائزة البوكر العربية ويتبادلون الخبرات ليقدموا ما يخدم الرواية العربية.
ثم اختتمت الأمسية بشكر الضيوف والمشاركين على هذه الشفافية العالية التي أوضحت ما يجول بخاطر كل مثقف عربي، بل وتحدثت عنه بكل أريحية بغية تصويب ما يتوجب تصويبه للمضي بالجوائز الأدبية، والمشاهد الثقافية العربية إلى مزيد من التجديد والتطور.