د. عبدالحق عزوزي
دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً إلى حظر البنادق الهجومية بعد مجزرة جديدة أحيت الجدل بشأن انتشار الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، طالباً من الكونغرس الأمريكي التحرّك على وجه السرعة في هذا الصدد. وتأتي عملية إطلاق النار الجديدة التي أوقعت عشرة قتلى بينهم شرطي في بولدر بولاية كولورادو، بعد أقل من أسبوع على قيام شاب بقتل ثمانية أشخاص في صالونات تدليك آسيوية في أتلانتا بولاية جورجيا. وتتكرر عمليات إطلاق النار خصوصاً في بعض المؤسسات العمومية والمدارس والمراكز التجارية ودور العبادة. والأدهى من ذلك أن استعمال الأسلحة بطريقة عشوائية مرده في بعض الأحيان إلى كراهية المهاجرين الأجانب في أمريكا؛ لذا حث هاته الأيام الرئيس الأمريكي مواطنيه على محاربة ما سماه «بعودة ظهور كراهية الأجانب»، خلال زيارة إلى أتلانتا. ودعا بايدن المواطنين إلى التحرّك لمنع العنف المرتبط بالعرق، قائلاً في كلمة ألقاها في جامعة إيموري إن «الصمت تواطؤ. لا يمكننا أن نكون متواطئين. علينا أن نتحدّث علانية، علينا أن نتحرك»، وحض الأمريكيين على محاربة ما سماه «عودة ظهور كراهية الأجانب». مضيفاً «أياً تكُن دوافع (إطلاق النار) فإننا نعلم ما يلي: الأمريكيون من أصول آسيوية قلقون. وعلى مدار العام الماضي، استيقظوا كل صباح وهم يشعرون بأن سلامتهم وسلامة أقاربهم على المحك» وشدَّد الرئيس الأمريكي على أن اختيار «الكلمات مهم»، في إشارة ضمينة إلى سلفه دونالد ترامب الذي وصف مراراً فيروس كورونا بـ»الفيروس الصيني». وقال بايدن «إن فيروس كورونا، نقطة!».
لكن إمكانية تشديد القوانين المتعلقة بالأسلحة النارية لا تزال بعيدة المنال نظرًا إلى معارضة الجمهوريين وأسباب أخرى؛ وسبق أن شهدت كولورادو اثنتين من أسوأ المذابح في تاريخ الولايات المتحدة. ففي سنة 1999، قتل طفلان صغيران 12 من رفاق صفهما ومعلم في مدرسة في كولومباين. وفي سنة 2012 قتل رجل مسلح 12 شخصًا في سينما في أورورا. وكانت مدينة بولدر أعلنت حظراً على «الأسلحة من نوع البنادق الرشاشة» والملقمات الكبيرة السعة بعد إطلاق نار في مدرسة في باركلاند (17 قتيلاً) في فلوريدا (جنوب شرق) عام 2018. لكن قاضياً علق هذا الحظر، في قرار رحبت به «الجمعية الوطنية للبنادق»، لوبي الأسلحة النارية في الولايات المتحدة.
وأظن أن قرار القاضي انطلق في قراره من مرجعية دستورية واضحة؛ فامتلاك الأسلحة النارية من طرف المواطنين هو من بين الحقوق التي أقرها الدستور الأميركي منذ أزيد من قرنين؛ فالولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح لمواطنيها بحمل السلاح حتى في الشوارع، وذلك انطلاقاً من مبدأ احترام الحرية الفردية...
ويستمد الدستور الأميركي مادة «الحق في التسلح» من المبدأ الذي يؤكد أن هذا الحق من الحقوق الطبيعية؛ كما تختلف القوانين المتعلّقة ببيع الأسلحة من ولاية أميركية لأخرى، ففي ولاية مثل تكساس مثلاً يستطيع الفرد حمل السلاح من دون ترخيص لأن الترسانة القانونية تسمح له بذلك... وتشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من ثلاثمائة مليون قطعة سلاح فردية أمريكا، كما أن جلَّ الأسلحة التي يستخدمها الأمريكيون في حوادث القتل هي البنادق نصف الآلية والمسدسات من مختلف المعايير، وبالأخص تلك الأسلحة التي تتميز بالسرعة العالية والدقة في إطلاق النار. وكل هذا يجعل الولايات المتحدة أحد أكبر البلدان التي تشهد الكثير من الاعتداءات والهجمات بواسطة الأسلحة النارية.
لكن رغم تسارع وتيرة هاته الحوادث المأساوية بسبب استعمال الأسلحة الفردية ورغم تزايد المطالبات بتشديد القوانين المتعلِّقة ببيع الأسلحة في البلاد، فإن لوبيات بيع الأسلحة لها تأثير كبير على مسار القوانين في الكونغرس؛ فهاته اللوبيات تنشط كثيرًا مع أعضاء البرلمان وهي تمولهم أحياناً مما يسمح لها بتعطيل كثير من اقتراحات القوانين، التي تهدف إلى تعزيز المراقبة على شراء الأسلحة وحيازتها، كما تمول هاته اللوبيات الانتخابات الرئاسية بملايين الدولارات. والأدهى من هذا كله أن حوادث إطلاق النار العشوائي تزيد من الطلب على الأسلحة من طرف الأمريكيين؛ إذ أصبحت اللوائح الأمريكية التي تتناول بيع الأسلحة النارية أكثر تساهلاً مما كانت عليه في السنين الماضية، وهو ما يزيد من استبعاد وقف بيع الأسلحة في البلد.