عالية الشمري
مما لا شك فيه أن أي دولة تنشد التطوير والتنظيم لا بد لها من سنِّ أنظمة وقوانين وتشريعات تنظِّم فيها مصالح مؤسساتها، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في ترتيب وتحسين شؤون الأفراد في واقعهم الحياتي.
ومما يدركه الجميع أن الحضارات العريقة في سابق الزمان ما كان لها أن ترقى بحضارتها إلا بمجموعة قوانين ودساتير؛ فمن مملكة بابل خرجت شريعة حمورابي وفيها من القوانين المنظمة لمعاش الناس وحياتهم ولشؤون الدولة ومصالحها والجيش وتطويره الشيء الكثير، وفي عصر الإسلام ومع توسع الفتوحات وازدياد أعداد الناس وتعاملاتهم إضافة إلى التغيّر في نمط الحياة بخلاف ما كان عليه في عصر النبوة كان من اللازم وضع أنظمة وسنِّ قوانين تنظِّم الحياة كما قال عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل: (تُحدثُ للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور)، وكان في كل بلد قاض معتبر وله مكانته ومنزلته واحترامه، ومع توسع البلدان وقيام الدول تكوَّنت فكرة إنشاء المحاكم بدلاً من مجالس الحكم التي كان يجلس فيها القاضي في مسجد أو سوق. ثم تطورت الفكرة أكثر فارتبطت -المحاكم- في بعض الدول بوزارات الأوقاف ثم بوزارات العدل.
وفي بلادنا المباركة صدر المرسوم الملكي في 4 صفر لعام 1346هـ بشأن تنظيم أوضاع المحاكم ووظائفها، وتلا ذلك تطوير للنظام في أكثر من عهد حتى صدر المرسوم الملكي الكريم في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -طيَّب الله ثراه - رقم (م/ 78) في يوم 19-9-1428هـ والذي يقتضي الموافقة على نظام قضائي جديد مما كان له أعظم الأثر في تطوير بيئة القضاء، وفي هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان جاءت تطورات تشريعية تدعم مسيرة التحولات الإيجابية وتدعم (العدالة الوقائية) وتعزِّز مبدأ العدالة الناجزة وتسهم في تقليل المنازعات وتقليل الدعاوى، وكان آخرها ما أعلنه سمو ولي العهد -حفظه الله- عن تطوير منظومة التشريعات متمثلاً بقانون المعاملات المدنية وقانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات التعزيرية وقانون الإثبات من أجل ضمان الوصول إلى الحقوق وصيانتها واستقرارها وتحقيق العدالة الناجزة وحماية النزاهة وحقوق الإنسان وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. ولا شك أن مثل هذه التشريعات تمنع الاجتهادات الفردية المتباينة في ميدان القضاء وتسهم في تسريع عملية التقاضي.
فحفظ الله مملكتنا الشامخة دولةً وشعباً، وأدام عليها العزَّ والهيبة والأمن والأمان.
** **
- مستشارة قانونية