أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لقد تولى خادم الحرمين الشريفين الملك (سلمان بن عبدالعزيز) -أيده الله- أمر المسلمين وهو في إرث ثقيل جدًّا، يكتنفه أمران: أولهما أن له أبًا وأجدادًا يُتعبون من جاء بعدهم من الأبناء والحفدة؛ فوالده الملك عبدالعزيز - نور الله ضريحه، وقدس روحه - أقدم على توحيد أمة على وحدة البلاد والعباد، ومحبة الأمة العربية القومية بشرطها الإسلامي، وهكذا توحيد الأمة الإسلامية ذات الولاء لدين الله المتعبدة لله بمحبتهم العرب حُبًا لدينهم ولغتهم الخالدة لغة القرآن الكريم، ولغتهم، كما في - قوله صلى الله عليه وسلم -: (قدِّموا قريشًا ولا تَقدَّموها)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبغض العرب فتفارق دينك)، وقوله: (حب الأنصار من الإيمان)؛ وكل ذلك بالشرط الإيمان. وقد أقدم الملك (عبدالعزيز) - طيب الله ثراه - على هذا الأمر وهو أقل عددًا وعدة: منهم الماشي والراكب والرديف، يعلكون تميرات، ويتعللون بمص نواها، وليس معه إلا أنه غامر من أجل استرداد مسيرة دولة قامت على جمع المسلمين على الدين الذي رضيه الله لهم، وكان صادقًا مع نفسه، ما قام بهذا الأمر يريد صيتًا ودنيا ومجدًا؛ بل كان يدعو على نفسه ولها: إن كان جاء لنصر دين الله أن يمكنه، وإن كان جاء لدنيا يصيبها أن يخذله الله؛ فعامله الله على صدق نيته، فمكنه، وأنعم عليه بالدنيا والمجد وسعة الرزق بالتبع.. والأمر الثاني أن أضحوكة الربيع العربي منذ ابتلاع أعداء الملة والنحلة العراق (عراق العرب) ساخرين بالعرب والمسلمين: يصفونهم بغزلان الصحراء!!.. ولقد دافع خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز - رحمهما الله تعالى - هذا البلاء بما يملكه من ضغط سياسي، وبترحيبه بحوار الأديان والنحَل إذا كان متكافئًا بغير إكراه، وبالسخاء بالمال بباعث الرحمة والمواساة للمنكوبين من المسلمين والعرب والمظلومين من البشر.. هذا من جهة، وبباعث تجنيب بلاده الحروب الأهلية التي إذا بدأت لا تكاد تنتهي، وكان ذا رؤية حصيفة، فحذر القوى المتنفذة من أخطار (داعش)، وأنها إن لم تبادر بالمصابرة فستنتشر كالحريق في العواصم والقرى من بلاد أوروبا وأمريكا؛ فصار الأمر كما قال؛ فكان وباؤهم شبحًا رهيبًا يروع أوروبا وأمريكا بما وقع منه من إبادة نفوس وقدرات ومرافق، ولا يزال ينتشر انتشار السرطان في الجسم، وهم يسمونه إرهابًا، وما هو بإرهاب؛ بل هو فتك عملي لا يزال ينتشر من مكان إلى مكان؛ فهذالواقع النكد واجهه خادم الحرمين الشريفين الملك (سلمان)، وولي عهده الأمير (محمد بن سلمان) بإعادة ما عليه الملك عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - من صدق النية مع ربه؛ فكانت مهمته الأولى تجريد دولته من النوابت التي يسمونها الخلايا النائمة في نفس اليوم الذي بويع فيه وليًا للأمر.. ثم عمله مع ولاة الأمر في العالم العربي والإسلامي على جعلهم لحمة واحدة تعيد هيبة العرب والمسلمين بجيش عربي موحد؛ فصار بحمد الله النصر، وصار تراجع إيران المجوسية، وحزب الشيطان المجوسي، وقرب وسهولة الاقتصاص من النصيرية المجرمة، ومن صنمهم عدو الله (بشار)، وقد افتضح المجرم بعشرات الصور صوتًا وصورة من إبادة المئات المودعة في السجن ماتوا بالتعذيب وصراخهم المبكي للقلوب، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ولقد ذكرت في هذه الجريدة منذ سنوات دور أمير العرب (حسام الدين بن مهنا)؛ وهو زعيم العرب المجتمعين في حلف آل فضل في عهد السلطان ناصر الدين بن قلاوون حاكم الشام ومصر؛ فخرج منها بجيشه من العرب بعد أن كسرت الميمنة التي يقودها ابن قلاوون من الأخلاط، وكسرت الميسرة المكونة من التركمان؛ فخرج ابن مهنا، فحمل التتار على أكتافه إلى ما وراء الفرات شرقًا كما في عبارة الشيخ مرعي الحنبلي كناية عن هزيمتهم، وأنه لم تقم لهم بعدها قائمة إلا ما أذن الله به من قيام دولة مسلمة فتحت القسطنطينية على يد محمد الفاتح - رحمه الله تعالى - الذي مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبره الصادق المعجز أنه فتح مبارك سيليه فتح آخر حيث لا دين إلا دين الإسلام.. وابن مهنا تلميذ الإمام ابن تيمية، ورسالة الإمام ابن تيمية إلى قومه مطبوعة محققة، وفيهم فقهاء من أهل الظاهر.. ثم بعدهم شهاب الدين ابن حجي وقومه من آل مرا من آل فضل وأخلاطهم من العرب.
قال أبو عبدالرحمن: الجيش العربي الموحد بإجماع الزعماء ضمانة لحماية المسلمين وجمع شملهم، وقمع ما يسمى الخلايا النائمة.. وكل أبناء الشعب السعودي مدينون لسلمان.. سلمان ذلك الرجل المبتسم للأحداث.. ذلك الرجل الذي تحمل المسؤولية منذ يفاعه، وعايش وهو شريك المسؤولية أئمة المسلمين من آل سعود الكرام: الملك عبدالعزيز المؤسس الثالث للدولة السعودية، وهي ذات وحدة عربية إسلامية.. أي ذات الوحدة اليتيمة، وهي شبه جزيرة العرب، وحدودها ممتدة شمالاً برًا، وغربًا بحرًا، وجنوبًا برًا، وشرقًا بحرًا وبرًا.. وقلت: (إنها يتيمة)؛ لأنها بدأت بالإمام محمد بن سعود، ثم بالإمام تركي بن عبدالله، ثم بالإمام الملك عبدالعزيز؛ وتلك الأدوار الثلاثة أول وحدة على الدين والعروبة في شبه جزيرة العرب لم تحصل في التاريخ قط منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبحت بصفتها شبه جزيرة العرب دولة خليجية مع أن آفاقها الأربعة أوسع من ذلك.. أي أوسع من تحجميها في (دولة خليجية)؛ لأن جيرانها من الجنوب والشرق على عناية كريمة عروبة وديانة من قبل آل سعود الذين يقومون بحمل ونشر صفاء الدين الذي عليه أتباع السلف الصالح من الصحابة الذين لم يهاجروا إلا بعد فتح مكة المكرمة، ومن أئمة الحديث والفقه المتبوعين وغير المتبوعين (مثل من يوصف بالفقيه الفرد كالإمام محمد بن نصر المروزي) في القرون الثلاثة الأولى، وهم الذين منحوا بعون الله الأمة الإسلامية والعربية الرقعة العربية والإسلامية مما هو فوق جنوب فرنسا شمالاً، ومنتهى المحيط الهندي.. وهو المحيط الذي حمل إلى ما وراءه المسلمون الموريسكيون الذين جبرتهم محاكم التفتيش؛ فتستروا على دينهم، وحملوه إلى الهنود الحمر باللغة اللاتينية العالمية، ومن الغرب إلى تخوم الصين وما حاذاها جنوبًا وشمالاً.. وأطلق على ذلك الخليج تسمية الخليج العربي.. مع أنه الخليج العربي قبل عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعماره العرب العاربة البائدة نسبة إلى بادية عروبة (وهي جزيرة العرب) قبل أن يرثوا اسم العروبة العرقية من ذرية إسماعيل الذبيح بن إبراهيم الخليل عليهما وعلى عبدالله ورسوله محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وكانت الفهلوية الفارسية قليلة بالنسبة للعرب عرقًا منذ معد بن عدنان، وكانت الآرامية والآشورية والأنباط وحمورابي، وكل الساميات التي لم تبق فيجزيرة العرب لغات ذات جرش واختلاط، ويجمعها كلها الوصف بأنها توقيفية مما جعله الله سبحانه وتعالى من لسان آدم عليه السلام لذي ورثه سام بن نوح عليه السلام، واختلاف الألسن من آيات الله الكونية.. وأما العبرية فذووها شرذمة قليلون منذ عهد بني معد بن عدنان الذين ملؤوا البر والبحر بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} (سورة الشعراء/ 54-55).. وأما الحبشية فقد اكتسبت من اللغات السامية مفردات توقيفية، وقد ورثوا الديانة المسيحية التي جاء بها عيسى بن مريم عليهما السلام من عند ربه سبحانه وتعالى، ثم بدؤوا يرتدون عن دينهم على مدى القرون إلى أن يأتي ذو السويقة الحبشي ليهدم الكعبة؛ وذلك من آيات الساعة الكبرى، ولو شاء الله حماية بيته، ولم يأذن بهدمه، لفعل جل جلاله الذي لا مكره له، ولا مشيئة ولا إرادة لأحد إلا بمشيئته وإرادته: لفعل به في عهد أبرهة كما فعل بأصحاب الفيل.. وأما الحميرية وهي لغة بادية بني يعرب عرقًا فقد حصل لها جرش واختلاط مع لغة البادية البائدة، ولقد أقسم أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى، وهو من أئمة اللغة، ومن أئمة القراء الثقات؛ فقال في قسمه: (والله ما لغة حمير بلغتنا)، وتلك اللغات معينية وحبشية ورسية، ومثل ذلك لغات البادية البائدة في وادي القرى غربًا، وعاد الأولى، وعاد الثانية (ثمود) وكلها بسبيل مقيم في بلادنا في الصيهد مدفن عاد الأولى شرقًا، وبلاد ثمود وقوم شعيب، وأصحاب الأيكة.. وفي شبه جزيرة العرب آيات بينات شمالاً كبحيرة قوم لوط، ومصرع فرعون لعنه الله، ومحل الخسف بقارون، وفرعون سخيف العقل تصور كون الله (الذي لا يحيط به خيال خاطر) ما يصل إليه هامان إذا صعد فوق الهرم هو كل كون الله؟!!!.. وكيف يكون السخيف ربًّا وهو يريد المدد من قومه أن يعينوه على شرذمة قليلين؟!
قال أبو عبدالرحمن: لقد عرف الشعب السعودي (سلمان)، وارتفعت بينه وبينهم الكلفة، وعرفوه على أنه مؤرخ آل سعود الذي عرف شعبه فردًا فردًا، وعلم بآثار آبائهم فردًا فردًا في تحمل مسؤولية بناء الوطن على الدين والعروبة في الأدوار السعودية الثلاثة التي مر ذكرها.. لقد انتقلت المسؤولية من ملك إلى ملك انتقالاً طبيعيًّا على أمن من منع التجوال على خلاف ما عليه الحكومات الثورية المتصارعة على كراسي الحكم بشعارات غير شرعية، وغير قومية بالشرط الإسلامي.. وكان المهزومون روحيًّا، المخمورون بالشعارات العمياء، من قوميات عربية بغير معنى العروبة بالشرط الإسلامي، أو ماركسية، أو اشتراكية فوضوية، أو شوفونية كما في دعاية أنطون سعادة الذي أعدم، أو بعثية كافرة ظالـمة كما عند (ميشيل عفلق)، و(زكي الأرسوزي)، أو علمانية لا دين لها كروسيا الماركسية، وكالحوثيين الذين أحيوا الباطنية الرافضية، قلت: (إن سلمان شخصية محببة لدى الشعب السعودي)، وقلت: (إن الشعب السعودي رفع الكلفة بينه وبين سلمان)، وأقول الآن: (إن الشعب السعودي يعد سلمان صورة مثلى لإحياء ذكريات تاريخه، ويحفظ له صورة العاصمة كما هي في أمجاد المناخات، وتجهيز بيارق (أعلام) الجيوش؛ لحضانة ورعاية الهم العربي الإسلامي الوحدوي. وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى. والله المستعان.
** **
كتبه لكم: (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -