أثيرت مؤخراً قضية قتل المواطن جمال خاشقجي باتهامات وتقارير من قبل بعض المغرضين، وفرح بذلك بعض من في قلوبهم حقد، ولي تعليق على ذلك بالآتي:
أولاً: إن بلادنا تحكم بشرع الله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، والبلاد فيها أعداد كبيرة من الموظفين والخطأ وارد، والموضوع قد نُظِرَ فيه النظرة الشرعية العادلة وحُكِمَ فيها بحكم الشرع، وهذا الذي حصل ولله الحمد، واعترف المخطؤون، وحُكِم على من يستحق بالقصاص، ثم عفا أولياء الدم، وقد قال لله تعالى : فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ، فلمن عفا وأصلح الأجر والخير والعز والشرف بإذن الله، فالقضية منتهية وبلادنا لها استقلالها القضائي وسيادتها.
ثانيًا: حدث في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ عيّر المشركون أهل الإسلام بأنهم يستحلون الشهر الحرام ، فقالوا: محمد يزعم أنه يتَّبع طاعة الله، وهو أول من استحلَّ الشهر الحرام فتولى الله الرد عليهم {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أهلهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ... }، فلما نزل القرآن بهذا فرَّج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشَّفَق، وقال في آخر الآية (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) أي ما هم فيه من الشرك أعظم من جريمة القتل.
ثالثًا: الذين يثيرون هذه القضية لا دليل عندهم بل ظن وتخمين لا قيمة له في الشرع؛ وهم قد فعلوا من الجرائم ببلدان كاملة في أفغانستان والعراق وسوريا والصومال وغيرها، قُتل فيها الألوف من البشر المظلومين، وهذه الجرائم صدرت بناء على أوامر من كبرائهم قتل بسببها مئات الألوف من البشر ناهيك عن المهجّرين والمشردين!!
وهم يرون العشرات يتم تعليق المشانق لهم على مرأى العالم من قبل النظام الصفوي الإيراني ولا يحركون ساكناً ، أفلا يرعوي من يغتر بكلامهم؟
رابعًا: إن دعواهم أنهم يضعون تشريعاً لهذه القضية لينافحوا عن المظلومين تتناقض مع أفعالهم التي طالت المظلومين من العرب وغيرهم في سجونهم! ثم إن ذوي القتيل عندنا قد عفوا فهل هؤلاء سيعفون ويطلقون سراح من سجنوهم ظلماً؟
خامسًا: أمام هذا الاصطفاف من الأعداء ينبغي لنا أن نستحضر مكرهم ومآربهم وأنهم لا يقصدون العدل ورفع الظلم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ ، ولا يخفى أنهم يسعون وراء مصالحهم ويريدون تفريق الكلمة ونشر الفوضى في بلاد المسلمين ولا ننسى مواقفهم السيئة في التشجيع على الثورات، ولا يزالون على ما هم عليه؛ فهل هؤلاء يريدون بنا خيرًا! قال الذي يعلم سرائرهم وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ .
سادسًا: إن الذين يشقون العصا ويخرجون عن الجماعة ممن طار فرحاً بتقريرهم؛ قد أوردوا أنفسهم موارد الخسران دنيا وآخرة، والتاريخ شاهد على ذلك؛ فقديماً خرج ابن الأشعث، وفارق الجماعة، ثم كان آخر أمره أن تسبب في مقتل عشرات الألوف، ثم لحق بـ(رتبيل) ملك الترك، وفتنته (نشأ بسببها شر كبير هلك فيه خلق كثير فـ{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} كما يقول ابن كثير.
وندموا حين لا ينفع الندم فقال قائلهم:
أيا لهَفا ويا حُزنا جميعا
ويا حر الفؤاد لما لقينا
تركنا الدين والدنيا جميعا
وأسلمنا الحلائل والبنينا
فما كنا أناسا أهل دنيا
فنمنعها ولو لم نرجُ دينا
والآن مَنْ يُسمونهم معارضين نراهم قد تقطعت بهم السبل، وبعضهم ترك الدين، وبعضهم بَيْنَ بَيْنَ، وكلهم قد استغلهم العدو وفرح بهم وصاروا مطية له وسلعة.
سابعًا: إن وقوف جماعة الإخوان المسلمين والليبراليين والانتهازيين وغيرهم مع أعدائنا ليس بمستغرب على من يتبع الهوى وعرف بالحقد والحسد، والجامع بينهم: فقد العقيدة الصحيحة التي تأمر بلزوم الجماعة والسمع والطاعة وموالاة أهل الإيمان.
ثامنًا: إن الواجب على كل مسلم أن يقف مع هذه البلاد السعودية التي تحكم بشرع الله، وهي مهبط الوحي، وقبلة المسلمين، ومهوى أفئدتهم، وقلب العالم الإسلامي؛ فأمن السعودية أَمْنٌ لكل العالم الإسلامي، والإساءة إليها إساءة لعموم المسلمين، وكل مسلم موحد يحب هذه البلاد، فضلاً عن شعب المملكة؛ فإنهم شعب أصيل كريم، وانطلاقاً من عقيدتهم يقفون صفاً واحداً مع ولاة الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله وسدد خطاهما- سلما لمن سالمهم وحرباً على من حاربهم، والمسلم الموفق لا يخوض في الباطل ولا يتكلم بغير علم (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) و(من حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه)، ويكل الأمر إلى أهله كما قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
** **
- أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية