عبد الاله بن سعود السعدون
يمر العراق الشقيق بمرحلة حرجة في مفترق الطرق، بين مشاريع إقليمية تحاول جعله ساحةً لحرب دولية لا علاقة له بها تضر بأمنه القومي وتعطل خططه التنموية، والتي يحاول الرئيس مصطفى الكاظمي بتنفيذها من خلال مفردات الورقة البيضاء المنقذة لاقتصاديات العراق المنهارة في المجالات المتعددة، والمعطلة لاقتصاد العراق ما بعد الغزو الأنكلو أمريكي -الإيراني، والتي لا يزال اقتصاد وأمن البلاد الداخلي يئن من تداعياته. ومع هذا الوضع الصعب والمعطل لكل حركة إصلاحية من قبل حكومة الكاظمي تهب على بغداد رياح عربية شمالية منقذة وداعمة لشعب العراق الشقيق، لتلطف حرارة جوها السياسي الملتهب على شكل حراك سياسي ودبلوماسي هادئ ومنتظم، يسير بحسب خطة طريق مخلصة وواضحة تهدف لإعادة العراق لسكته العربية الصحيحة، والتي تاه طريقها لأكثر من عقد ونصف عقد من التخبط الأمني والفساد الإداري والمالي، حتى أصبحت بغداد الرشيد أخطر مدينة في العالم، وتحولت قلعة الأسود والمجد التليد لمسرح واسع لاقتتال الأشقاء بوحشية غريبة عن الخلق والشيم البغدادية، من تهجير الجار وتعذيب الأشقاء بطرق مبتكرة تتركز فيها كل صفات الوحشية الانتقامية والبعيدة كل البعد عن مبادئ الإسلام والسمو العربي الذي تميز به أبناء الرافدين الأصلاء ذوو النخوة والفزعة العربية من كرم اليد واللسان. وأصبحت بغداد أسيرة الطائفية المقيتة، فوجود الميليشيات الولائية المسلحة والتي أخذت في الفترة الأخيرة تفاجئ أهل بغداد العاصمة باستعراضات عسكرية وتطلق شعارات حربية تخيف المواطن وتهدد أمن الوطن الداخلي، وتعرض السلام الاجتماعي لخطر المصادمة العسكرية الإقليمية والدولية - لا سامح الله... وبعد ظلام الليل يبزغ شفق النور، ومع التحرك العربي السعودي والذي جاء مع الزيارات التاريخية التي توالت لأعضاء مجلس التنسيق الإستراتيجي العراقي السعودي برئاسة الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي وزير التجارة ومشاركة وزارية عالية المستوى لبلد الرشيد وتبعها الزيارة الأولى لأمين مجلس التعاون الخليجي الدكتور نايف الحجرف لبغداد، وبهذا المسعى الخليجي المثمر تفتحت كل النوافذ المغلقة لأكثر من ربع قرن، وتوالت رياح الأخوة العراقية السعودية بقرب ضيافة رياض الخير للرئيس مصطفى الكاظمي بدعوة رسمية من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - نتيجة للمباحثات المهمة بين الزعيمين الكبيرين في الأمس القريب، والتيتناولت مجالات التعاون والتضامن الكامل بين الشعبين الشقيقين العراقي والسعودي والتي تهدف دائماً لخير البلدين الجارين. وستمثل زيارة الكاظمي الأولى للرياض البوابة الأولى لزيارات خليجية قادمة وما ينتج عنها -وبإذن الله - الخير والدعم الكامل لشعب العراق الصابر. وستثمر اجتماعات الخير المرتقبة بالقيادة الرشيدة تفعيل كل الاتفاقات التي وُقعت في بغداد السلام تحت رعاية وتوجيه ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -نصره الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -أيده الله- والتي ستشكل الجسر الأول للأخوة والتضامن، وتمهد لرياح الخير بين الرياض وبغداد، وتكون البوابة الأولى لمسيرة التعاون العربي الخليجي العراقي والتي اتسمت بأهميتها المستقبلية لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية بين العراق وأشقائه شعوب الخليج العربي..
في هذه الظروف غير العادية والتي تمر بها المنطقة الإقليمية والدولية بسبب تداعيات الجائحة الصحية كورونا ومؤشرات حرب باردة بين أقطاب السلطة الدولية السوبر، يتم التساؤل الآن عن إمكانية طرح مشروع عربي خليجي موحد نحو نصرة الشعب العراقي وتهيئة المناخ الآمن لاستثمارات خليجية منشطة لاقتصاديات العراق المعطلة صناعياً وزراعياً، والبدء في مشاريع التنمية المستدامة من إسكان عام وإعادة تأهيل الطرق والجسور والسدود المهددة بنهاية عمرها الافتراضي وهي عديدة، وقد تكون الأيادي العربية الخليجية الممتدة لشعب العراق الشقيق الآن من العواصم الخليجية الرياض وأبوظبي والمنامة والدوحة نحو بغداد السلام بداية جدية وصادقة لعهد جديد متين من العلاقات الصادقة والمبنية على الاحترام والثقة مما يعجل بعودة الشعب العراقي الموحد لبيت العرب والعراق مرتكز الفضاء العربي وعمقه الإستراتيجي، ولا يمكن أبداً نسيان تضحيات جيشه الوطني وشعبه الشجاع وريث الحضارات المتعاقبة لأكثر من سبعة آلاف سنة.
ولابد أن يكون مشروع الإنقاذ العربي أنجح السيناريوهات السريعة والمؤثرة في قلب الأجندة الطائفية والمعتمدة على المحاصصة العادية لكل تقارب عربي نحو شعب العراق الصابر، ولابد من تحقيق هذه الأهداف السامية والتي تسعى صادقة لخير ومصلحة الشعب العراقي العليا وتصحيح مسيرته المستقبلية نحو تأسيس دولة المواطنة الصادقة والتي ترتكز على مؤسساته الدستورية والمحققة للسيادة الوطنية والساعية نحو استقلال القرار السيادي العراقي، وذلك بظهور جبهة وطنية سياسية جديدة يلتف من حولها ابن الجنوب والوسط والشمال بتنظيم واحد يحتوي كل أطياف أبناء الشعب العراقي من كرده وعربه، وقادة هذه الجبهة من القوى العربية الوطنية النزيهة.
ومع الآمال التفاؤلية في دعم العلاقة العربية الخليجية لشعب العراقي الصابر والذي تحمل الحصة الأكبر من التضحيات الجسام في صد الإرهاب الدولي والانتصار عليه بدماء أبنائه الأبطال، وقد تحمل رياح الشمال العربي تباشير الخير والأخوة العربية بزيارة مباركة منتظرة من المستوى الأعلى في القيادة العراقية للأهل في الرياض تعمل لتضميد الجراح وتعمير المبنى والجسر من جديد، وتعود البسمة لثغر أبناء بغداد وتبدل جدران عاصمة الرشيد سوادها بحلية عربية مطرزة بالذهب والفضة، وهذا ما تستحقه بغداد السلام والإسلام بعد طول حزنها..