وهذه الدَّارُ لا تُبْقِي على أحَدٍ
ولا يَدُوم على حال لها شان..
ثلة قليلة تغرب شموسهم وتسقط أوراقهم ويرحلون عن دنيانا، لكن ذكراهم وذكرياتنا معهم تظل حاضرة لا تغيب عن الخاطر ولا تبرح الفكر، محفورة في أفئدتنا ومسطورة في ذاكرتنا.. من هؤلاء أحد أعلام الصحافة السعودية الصديق والأخ والزميل الإنسان صاحب القلب النقي الأستاذ محمد الوعيل صاحب الخلق القويم ورجل المبادئ الذي أبى إلاَّ أن يعلمنا حيًّا وميتًا، جَمَعَنَا بِالحُبِّ في حياته، وَجَمَّعَنَا الحزن إثر مماته صباح يوم الأحد 8 شعبان 1442هـ، الموافق 21 مارس 2021م، بعد مسيرة إعلامية حافلة واستثنائية ومتفردة امتدت نحو 40 عامًا، تنقل خلالها بين عدد من الصحف السعودية، محررًا ومديرًا للتحرير ورئيسًا للتحرير في صحيفة اليوم، وصحيفة المسائية، ومتنقلاً في مناصب قيادية في صحف الجزيرة والمسائية واليوم مغامرًا بنفسه ومستقبله في بحر الصحافة المضطرب، دون زورق، ودون مجداف، ودون بوصلة، إلا ضميره ونزاهته وشرفه وعلمه ودأبه، وهي سمات جيل الرواد الذين أنشؤوا صحافة محترمة وصنعوا صحفيين مهنيين أكفاء، في رحلة شاقة شابتها تضحيات مضنية فقدوا على إثرها الراحة والسكينة مقابل فتات لا يُذكر يكاد يكفي ضروريات الحياة.
أربعة عقود كان الوعيل فيها أحد الرواد الذين تتحدث عنهم إنجازاتهم، التي جعلت منه وطنيًا خالصًا ومنافحًا لا تلين عزيمته عن قضايا وطنه وهموم أمته، وكان في رحيله هادئًا كما كان في حياته هادئاً.
فإذا كنت ممن واتتك الأيام وتعرفت إلى مثل ذلك الرجل الأستاذ في ساحات العمل فقد حظيت بسهم وافر، وسعدت بصحبة معلم وموجه ومرشد فاض بالعطاء ومنح بسخاء من خبرته ومهنيته لزملائه وتلامذته الذين يعتلون اليوم المناصب العليا في صحفنا الوطنية وقنواتنا التلفزيونية..
ولأن الناس كما قالوا كإبل مئة، قلمَّا تجد فيها راحلة.. فقد كان الوعيل بين الناس رجلاً وبين الرجال علمًا.. إذا أويت إليه فأنت تأوي إلى أخ قوي وركن شديد - رحمه الله.
أَخٌ لِي لَو دَعَوتُ أَجَابَ صَوتِي
وَكنتُ مُجيبَه أنّى دَعَانِي..
فَقَد أَفنَى البُكَاءُ عَلَيهِ دَمعِي
وَلَو أَنّي الفَقِيدُ إِذاً بَكَانِي..
كانت له -رحمه الله- أفكار ورؤى في الحياة والناس والعمل تشف عن ذكاء وفطنة وفراسة نادرًا ما تجدها في غيره من الصحفيين، قراءاته المتنوعة واهتماماته المتعددة جعلت معارفه ريانة وشواهده كثيرة في كُلِّ حدثٍ مجتمعي أو مناسبة وطنية، يربط بإتقان أحداث الماضي بحوادث الحاضر في بداهة عجيبة، وتلقائية مدهشة.
والله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقه لمحزونون.
رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وأنزله منازل الصالحين مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.. وأحسن الله عزاء كل أحبابه فيه.
** **
- محمد السنيد