رشيد بن عبدالرحمن الرشيد
رحل محمد المحبة والوفاء ليتركنا في شوق إليه ولذكرياته الجميلة.. رحل بعد أن حبس الدموع في ألمه فأبت إلا أن تخرج في وداعه، وقد كنا نتفاءل بشفائه فخطفته المنون ليفجعنا المصاب نحن أحبته، لكنه القدر الذي آمنا به ها هو يتسلل إلينا فيخطف الأصحاب والأخلاء، جمعنا الله وإياهم بالفردوس الأعلى.
وأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره
أردد هذين البيتين وكأنهما يصوران محمد، ويقصدانه، فقد كان -رحمه الله- يحمل قلبًا أبيض موشحًا بالنقاء والصفاء، وهبه الله نفسًا زكية، وروحًا تسمو في حب الآخرين والسعي لهم بالخير. ونهجه: الدال على الخير كفاعله. وله جهود تذكر فتشكر في ذلك. عمل في بداية حياته الوظيفية في بنك الرياض، التي تزامنت مع بدء القروض العقارية، فكان رقيق المعاملة للجميع، ولاسيما كبار السن، فيرتاحون لمعاملته الحسنة، ويتقبلون توجيهاته. لقد زرع لين التعامل مع الآخرين فحصد محبة صادقة، وذكرى حسنة. وهذا ديدنه ونهجه مع محبيه وأصدقائه.
أخو الفضل حي خالد بعد موته
وأوصاله تحت التراب رميم
عُرف أبو عبيد بالصلاح والتقوى والذكريات الجميلة مع أصدقائه منذ الطفولة، فجاءت التغريدات بلغة حزينة، وثناء عطر، وشهادة صادقة وتزكية حميدة من مئات المغردين (شهداء الله في أرضه)؛ لتكشف لنا الأسى والحزن على فقده ورحيله. وكنت أزور ديوانية الهنيدي (التاريخية) من وقت لآخر، التي ورثها الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد، وتشم فيها عبق الماضي وتراث المكان.. فكان محمد كبير العائلة الحاضرين، يأنس بالترحيب بضيوف الديوانية وخدمتهم، والمشاركة الإيجابية بكل حوار بنّاء وخبر سعيد ومعلومة مفيدة وشيقة.. كانت مشاعره نحو محافظته الرس فياضة، ويسعد بكل ما يطورها ويساهم في نموها.. وسيفقد هذا (المجلس) صوتًا يعطر المكان بالمحبة والأنس. كانت روح محمد معلقة بالمساجد؛ فكثيرًا ما صدح بالأذان نيابة عن المؤذن، فذكّرنا بصوت والده الذي كان مؤذنًا في مسجد الحناكي عقودًا طويلة. رحمهم الله جميعًا.
وكان يأنس بكتاب الله تلاوة وحفظًا، والتحق بحلقة حفظ القرآن.
ويروي أخوه وليد حرصه على الصدقة وأعمال الخير. محمد تحبه من لقائك الأول به؛ فهو لا يحمل غلاً ولا حسدًا. كتاب مفتوح، وصدر رحب، وكان كثير الحضور للمقابر وتقديم واجب العزاء والدعاء للأموات.
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
ومع ساعة الوداع للجسد الطاهر كانت الألسنة تلهج بالدعاء أن يثبته الله بالقول الثابت، ويغسله بالماء والثلج والبَرَد، وأن ينقيه من الخطايا، ويجعل ما أصابه كفارة وطهورًا.
رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته، وأحسن الله عزاء أهلك وأبنائك وبناتك وإخوتك وأخواتك وأسرة الهنيدي والحماد، ومحبيك وإخوتك في ملتقى الرس.
وداعًا أبا عبدالله، جمعنا الله بك في الفردوس الأعلى، وألهم الجميع الصبر على فراقك.
لقد أبكرت يا رجل الرجال
وأسرجت المنون بلا سؤال
فأججت الأسى في كل قلب
وجارحة فما فما أبقيت سالي
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- الرس