فيصل بن ناصر الحقباني
لقد أضحت النزاعات المسلحة والتطرف والإرهاب، وتصاعد خطابات الكراهية والتمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد سمات سائدة في عالمنا اليوم، مما جعلنا أبعد ما نكون عن تحقيق مقاصد وأهداف الأمم المتحدة نحو تحقيق السلام والتعايش معاً.
تحتفل الأمم المتحدة في 21 مارس من كل عام باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، وجاء احتفال هذا العام في وقت أصبح العالم في أمس الحاجة إلى قيم وروابط السلام والتسامح والإنسانية القائمة على أسس الاحترام المتبادل أكثر من أي وقت مضى، في عالم تمزقه النزاعات، وتفرقه خطابات الكراهية، وتسلب أمنه وسلامه قوى الشر والتطرف.
إن روابط الإنسانية هي ما تجعل الأمم والشعوب متساوين في الكرامة والحقوق، وهذا ما أكَّدت عليه المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واقتبس «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء». ولقد أكَّدت القرارات الدولية على أن أي مذهب يقوم على التفوق العنصري مذهب زائف علمياً، ومدان اخلاقياً، وجائر وخطير اجتماعياً، ولا بد من نبذه ونبذ النظريات التي تهدف إلى القول بوجود أجناس بشرية متميزة.
تعد طبيعة الاختلاف بين الأمم والشعوب في معتقداتهم وثقافاتهم سنة كونية، وأن التضامن الإنساني على أسس أخلاقية جوهرها الاحترام المتبادل من شأنه تعزيز قيم العيش المشترك وإثراء المجتمعات والحضارات المختلفة، وهذا ما أكَّد عليه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}. وهذا ما أكَّدت عليه أيضاً وثيقة مكة المكرمة.
تتقاسم 193 دولة - هم عدد أعضاء الأمم المتحدة- جغرافية هذا العالم، وتقع على عاتقهم مسؤولية تعزيز ثقافة مفادها السلام ونشر قيم التسامح لأحداث التوازن في العلاقات الدولية، وبدون الإقرار بقيم العيش المشترك، والاحترام المتبادل سيختل هذا التوازن وسيتحول العالم إلى ساحة صراع بين القوى والأيدولوجيات المختلفة.
يأتي إنشاء منظومة الأمم المتحدة بهدف «إنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب»، وإدراكاً أيضاً بأهمية الدور المحوري في التحول من ثقافة الحرب والعنف، إلى ثقافة السلام واللا عنف، ونصرة الشعوب المقهورة. لذلك تقع على عاتق الأمم المتحدة مسؤولية كبيرة نحو تنمية التعاون وتنظيم هذه العلاقات الدولية.
إن إرساء قيم العيش المشترك وتحقيق السلام يتلخص في تقبل الاختلافات، والإيمان بأن التنوع الديني والثقافي لا يبرر أبداً الصدام بل يستدعي تعزيز الشراكة الحضارية، وأن ما نشهده من تصاعد أعمال التعصب والتمييز على أساس الدين والمعتقد، وتنامي ايديولوجيات العنف والتطرف، وكراهية الأجانب، وما نشهده من هجمات على الأماكن المقدسة ودور العبادة، والإساءة للرموز الدينية، تشكل عوامل خطيرة تغذي التطرف وتساعد على ممارسات الظلم وتفضى إلى الصدام الحضاري والثقافي.
يجب الإدراك بأن المواقع الدينية هي أماكن سلام وعبادة وتمثل تاريخ الشعوب والأمم ونسيجهم الاجتماعي ويجب احترامها وحمايتها والتصدي لمحاولات تدميرها أو تشويهها أو طمس هويتها بشكل يتعارض مع القانون الدولي، وإنه لمن المحزن الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها المواقع الدينية وأماكن العبادة في مختلف أنحاء العالم، حيث شاهدنا قتل المسلمين في مساجدهم، وقتل اليهود في معابدهم، والمسيحيين في كنائسهم.
وهناك عامل آخر يثير القلق ويتطلب وقفة جادة، وهو تصاعد النهج السلبي لازدراء الأديان. لا يمكن أن نبرر أبداً الإساءة إلى الرموز الدينية وجرح مشاعر أكثر من مليار شخص حول العالم تحت مسمى حرية الرأي التعبير، ويجب أن نفرق بين حرية التعبير وممارسات الاستفزاز التي تقوض روح التسامح وتغذي مشاعر الكراهية وتشكل تحريضاً على التمييز الذي قد يفضي إلى العنف وتهديد أمن المجتمعات.
لقد أكَّدت قرارات الأمم المتحدة على أن ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير تنطوي عليها مسؤوليات وواجبات وإن من أهم مبادئ حرية التعبير هي عدم الإساءة للآخرين وهدم ثوابتهم، كما أن حرية التعبير وحرية الدين تشكل حريات وحقوقاً مترابطة ومتشابكة يعزز بعضهما بعضا في التصدي لدعوات التحريض والتمييز ضد الأشخاص ومكافحة خطابات الكراهية.
تعد المملكة العربية السعودية عنصراً رئيساً في إحداث التوازن العالمي في العلاقات بين الدول، ومن منطلق هذه المكانة وباعتبارها عضوا فعالا في الأمم المتحدة تبذل المملكة جهوداً كبيرة في إحلال السلام والتنمية بين الشعوب، والتوسط في تسوية النزاعات بالطرق السلمية، ومد جسور المحبة، حيث تعد المملكة اليوم رائدة في مجالات حوار الحضارات والثقافات وتعزيز التعددية الدولية، وقائدة في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف وخطابات الكراهية والتعصب، وان اعتماد الأمم المتحدة مؤخراً مبادرة المملكة «تعزيز ثقافة السلام والتسامح لحماية المواقع الدينية» لخير مثال على هذه الجهود.
إن المملكة منذ تأسيسها وهي دولة سلام، كانت وما زالت وستظل دولة سلام. نهجها قائم على السلام، ونبراسها الذي تهتدي به يدعو لتعزيز السلام. وأن الدور الكبير الذي تقوم به في تعزيز قيم السلام، ونبذ العنف والتطرف وحماية المواقع الدينية ينسجم مع الموقف الراسخ الذي دأبت عليه المملكة منذ تأسيسها وتستمد ذلك من مقوماتها وعقيدتها الإسلامية السمحة ومكانتها الإسلامية.
وختاماً، يجب التأكيد على أن التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكار لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان. كما أن الإرهاب والتطرف بجميع صورها وأشكالها لا ينبغي ربطهما بأي دين أو جنسية أو حضارة.