إبراهيم بن سعد الماجد
دائمًا أقول: إن مقياس السعادة يصدر من الإنسان نفسه، وليس من خلال الآخرين؛ فما أراه جالبًا للسعادة قد لا يراه آخر كذلك؛ لذا فالسعادة شعور داخلي، يُقدره الفرد، من خلال بعض المعطيات التي تمثل المخرج النهائي للحكم على هذا المجتمع بالسعادة، وذاك بعكسها.
المملكة تصدرت الدول العربية في تقرير السعادة العالمي لعام 2021م، الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة؛ إذ جاءت المملكة في المرتبة الأولى عربيًّا والواحد والعشرين عالميًّا في مؤشرات عام 2020م، التي تركز على قياس تأثير تداعيات جائحة فيروس كورونا على مقومات السعادة وجودة الحياة عالميًّا.
هذا التقرير يصدر بصورة سنوية منذ 10 سنوات، ويقيس مؤشرات السعادة في نحو 150 دولة حول العالم.
وبسبب استثنائية عام 2020م أصدر القائمون على التقرير بيانات الدول لعام 2020م بصورة منفردة، إضافة إلى متوسط السنوات الثلاث السابقة التي تُقرأ عادة، التي حققت من خلالها المملكة أيضًا تقدمًا مهمًّا من المرتبة الـ27 إلى الـ26 عالميًّا.
واعتمد تقرير 2021م على قياس تأثيرات جائحة فيروس كورونا على الدول، إضافة إلى قياس استجابة الدول والمؤسسات الرسمية لتداعيات الجائحة، وطرق السيطرة عليها، سواء التداعيات الصحية أو الاقتصادية أو النفسية.
ومن نافلة القول إن هذه المؤشرات التي أشار إليها التقرير هي في الحقيقة ليست وليدة الجائحة، بل إنها - بفضل الله - متأصلة في المجتمع السعودي، ومتأصلة في قيادته وحكومته؛ فالعناية التي توليها القيادة بالشعب، تنمية وتطويرًا وسلامة، ليست وليدة اللحظة، بل هي متأصلة أصالة هذه الأرض وهذا الإنسان.
يشير التقرير إلى وجود علاقة بين الثقة في مؤسسات الدولة وكيفية مواجهتها للجائحة، ومدى سعادة المجتمعات.
ومن المجالات التي اعتمد عليها التقرير قياس أثر الجائحة على بيئة العمل، وطبيعة العلاقات الاجتماعية، والصحة العقلية للأفراد، والثقة بالإجراءات الحكومية، وقابلية الدول لتجاوز تداعيات الجائحة، بوصفها من أبرز المجالات التي تُقرأ من خلالها سعادة الدول. وإضافة إلى هذه المجالات، اعتمد التقرير في قياسه للسعادة على نسب البطالة بفعل جائحة كورونا، ونتائج عدم المساواة، إضافة إلى تفشي الوحدة.
ولعلنا نشير بكل فخر إلى أحد مقاييس التقرير، وهو ثقة المجتمع بالإجراءات الحكومية، التي - بحمد الله - يتمتع بها مجتمعنا؛ إذ إن ثقة المجتمع بكل ما تقوم به الحكومة يعد مصدر فخر لنا، وهو مضرب مثل حتى في الدول الكبرى والأكثر تقدمًا، ولم تتخذ الدولة قرارًا إلا وكان المواطن مقتنعًا به، وداعمًا لنجاحه.
وقد يسأل سائل: لماذا؟
والجواب بكل بساطة: إن المواطن يثق في قرارات دولته، والدولة أشد حرصًا على سعادة المواطن، وهي المبادرة دومًا في كل ما من شأنه رفاهية وسعادة المواطنين.
المدير التنفيذي لقطاع دعم التنفيذ والمكلف للتسويق والتواصل في مركز برنامج جودة الحياة، خالد بن عبد الله البكر، قال: «إن تقدم المملكة في تقرير السعادة العالمي لعام 2021م يأتي نتيجة لاهتمام القيادة بجودة الحياة في المملكة، وسعادة ورفاهية المواطنين والمقيمين، ولاسيما في ظل جائحة فيروس كورونا».
وقال: «بذلت المملكة جهودًا استثنائية لمواجهة تداعيات جائحة فيروس كورونا. ويتوج هذه الجهود أوامر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - لعلاج كل المصابين بفيروس كورونا مجانًا بغض النظر عن قانونية وجودهم على أراضي المملكة، ثم توفير اللقاحات مجانًا قبل أغلب دول العالم، إضافة إلى الحد من التداعيات السلبية للجائحة على القطاع الخاص، من خلال خفض وتأجيل بعض الرسوم، أو الدعم المباشر، أو التحفيز الاقتصادي».
وأضاف البكر: «أثرت الجائحة سلبًا على جودة الحياة في دول العالم كافة، لكننا تمكنا في المملكة - بحمد الله تعالى - من التكيف مع تداعيات الجائحة، والاستمرار في تطوير وتحسين قطاعات جودة الحياة المختلفة مع الحفاظ على الإجراءات الاحترازية، فنجح القطاع السياحي - على سبيل المثال - في تفعيل خططه واستراتيجياته، وتكيفها مع الجائحة؛ ما أدى إلى نقلة نوعية في القطاع، أسهمت في جذب الزوار للأماكن السياحية من داخل وخارج المملكة. هذا التكيف ينطبق أيضًا على القطاع الرياضي، والثقافي، والترفيهي، والاجتماعي، والأمني، وغيرها من القطاعات المرتبطة بجودة الحياة، إضافة إلى استضافة الفعاليات العالمية، وإقامة الفعاليات المحلية. فقطاعات جودة الحياة في المملكة استمرت بالعمل وإيجاد البدائل لتحقيق مستهدفاتها رغم الجائحة».
وأشار إلى أن تقدم المملكة المطرد في تقرير السعادة العالمي خلال السنوات الماضية، سواء وفق أرقام عام 2020م، أو متوسط أعوام 2017م و2018م و2019م، بالرغم من تداعيات فيروس كورونا، يأتي تأكيدًا لنجاح استراتيجية رؤية المملكة 2030، بإشراف وقيادة سمو ولي العهد - حفظه الله - ولاسيما في القطاعات المرتبطة بجودة الحياة، التي يعتمد عليها برنامج جودة الحياة في تقرير السعادة العالمي كأحد المؤشرات المرجعية له.
مؤشرات سعادة الفرد السعودي على الرغم مما يعانيه العالم من ظروف صعبة في كثير من مناحي الحياة تؤكد لنا أن لحمة الشعب مع قيادته، وقرب القيادة من الشعب، بل وحدتهم، والشعور بالمصير المشترك.. كل ذلك مما يعزز الشعور بالسعادة، بل ممارستها.
قلت: السعادة قرار داخلي، حاول أن تصنعه.