سلمان بن محمد العُمري
داءان بغيضان ومتناقضان وعلى خطي نقيض ولكن تجمعهما النفوس غير السوية، هذا الداءان هما: التملُّق، ونكران الجميل، والتملق هو الكذب والمبالغة في نسبة الأعمال والأقوال لغير أهلها؛ تزلفاً ونفاقاً بُغية الحصول على مصلحة ومنفعة دنيوية، رغم ما فيها من انحطاط خلقي وهدر لكرامة المتملق، وإراقة لدم وجهه وانحدار في مستوى الكرامة وعزة النفس لديه حينما ينسب للغير ما لم يقوموا به، والأمر الآخر نكران الجميل بألا تشكر من أحسن إليك وأسدى لك معروفاً، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، كما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - .
إن الله سبحانه وتعالى يحب إذا أنعم على عبده أن يشكره على ما أنعم عليه والله غني عن عباده، ولكن أراد الله بحكمته أن ينشأ بين الناس إلى جانب اصطناع المعروف الوفاء والعرفان بالجميل، ولذا فمن الخلق الرفيع والأدب العالي وحسن الالتزام أن نعبر لمن أحسن إلينا ونقدر له ولا ننسى معروفه ولا نجحده، وهو أصل في الفطر الإنسانية السوية والقلوب الصافية التي جُبلت على حب من أحسن إليها، وفي الشكر والتقدير أثر كبير في تعزيز المعروف وتوثيق الروابط ومضاعفة الإحسان.
إن بعض الناس ينسون أو يتناسون فعل الجميل ولا يذكرون أو يتذاكرون من أحسن إليهم إلا حينما تستجد الحاجة ويحتاجون إلى المعروف مرة أخرى، فيغرقونك بالحمد والثناء المضاعف الذي يصل إلى حد التملق وهذا من اللؤم، وللعلم فإن من جبلوا على إسداء المعروف لا ينتظرون جزاءً ولا شكوراً ويرجون ما عند الله -عز وجل- وهم يشعرون باللذة والسعادة حينما يقومون بعمل المعروف وإسداء الجميل لا انتظاراً لثناء أو لمدح ولا يتبعون معروفهم منَّاً ولا أذى، ولا يذكرون صنيعهم ولا يفخمونه ولا يطرونه في المجالس ولا يوثقونه في كتبهم ومذكراتهم.
في حياة كثير منا مواقف نتذكر منها القليل وننسى الكثير ويبقى الدعاء موفوراً لكل من أسدى إلينا معروفاً، وحينما تستدعى الذاكرة خطوة من خطواتنا وعملاً من أعمالنا نستحضر الشكر والدعاء وخالص الثناء لمن أسدى إلينا معروفاً وأقلّها الدعاء، وهذا أقل المكافأة، وفي المقابل لن يؤثر فينا نكران الجميل، ولن يعيقنا عن بذل المعروف مع المنكر أو غيره، لأن جدوى المساعدة وعمل الخير لا ننتظره منه أومن صاحب العلاقة ولن يؤثر في النفس هذا الجحود.
إن من واجب كل إنسان أن يضع نصب عينيه حقيقة ماثلة في عقله وينقشها على أديم قلبه حتى لا ينساها يوماً: أن الجميل حتى وإن ذهب عند الناس فلن يضيع عند رب العالمين، ولن يخسر صاحب المعروف شيئاً لأنه لم يضع معروفه انتظاراً لمكافأة، أو شكراً ، ولكن على من أسدي له المعروف أن يعلم أن كلمات الشكر والعرفان وحسن التقدير تزيد من المحبة وتبعث في النفس الرضا وتحفز الهمم وتشيع السعادة والهناء في النفوس، فلحسن التقدير أُثر جميل في النفوس، فلا تبخل به على أهلك وأصدقائك ومن حولك في العمل، وكل من تتصل بهم في معترك الحياة وسترى ما لها من أثر عظيم.