تُعدُّ مسيرة الشاعر سعد الحميدين علامة مهمة في تاريخنا الأدبي والثقافي؛ شكلتها مجموعة من إنجازات طمح إلى تحقيقها، ونجح في ذلك. كانت تلك الإنجازات للحميدين متوائمة مع نماذج ثلاثة: الإنساني والشعري والثقافي، ويجمع النماذج السابقة سمات أربع نلحظ حضورها وشيوعها الدائم في سيرته، وهي: المبادرة والريادة والإتقان والمثابرة.
خاض الحميدين مع كوكبة من زملائه الشعراء والشاعرات حركة تحديث قوية في مرحلة الثمانينات، قادت إلى صياغة مرحلة الجيل الثالث، التي وضعت علامتها الفارقة في التجربة الشعرية السعودية، وتجلت ريادته في كونه أول من بادر إلى نشر ديوانه الشعري «رسوم على الحائط»، المتضمن قصائد من شعر التفعيلة، والمنشور في مرحلة مبكرة عام 1977م، وقد تواتر صدور أعماله الشعرية التي حظيت ولا تزال بدراسات لعدد غير قليل من النقاد والدارسين السعوديين والعرب، مرتهنة إلى عمق تجربته الشعرية، ومؤكدة تأثيرها الواضح في المنجز الشعري. ويُضاف إلى منجزه الأدبي إسهامه الدائم بمقالات نقدية منشورة في زاويته، وكانت تلك المقالات معبرة عن قراءة فاحصة، وخبرة نقدية، ومتابعة دقيقة للأعمال الأدبية في شتى الحقول، ولا يزال الحميدين مستمرًا في عطائه الكتابي شعرًا ومقالة.
أما ريادته في بناء الملحق الثقافي في جريدة الرياض والإشراف عليه، فقد امتدت هذه التجربة أكثر من عقدين، وأراها جديرة بالتأمل والمراجعة؛ إذ نجح في مبادرته باستقطاب نخبة كبيرة من المتميزين في النقد والشعر والقصة القصيرة والرواية، تقدم عطاءها الأسبوعي كل خميس، فكان الملحق مادة علمية وإبداعية، أسهم في صوغها الأساتذة والرواد والشباب، من الداخل والخارج، وبدا دوحة أدبية مثمرة، ومحط عناية المهتمين والقراء، وهو الأمر الذي قاد، دون مبالغة، إلى حركة تفاعلية ثرية في الوسط الأدبي.
ويوازي ذلك كله خبرة الحميدين العميقة ومعرفته الدقيقة بالتاريخ الشعبي للعائلات والقبائل والجماعات والأماكن، وله منزلة كبيرة في عرض ذلك، معتمدًا على ذاكرة لا تخطئ، ومستندًا إلى روح مبدع؛ إذ إن له قدرة على الحفظ بوصفه نتاج ذاكرة، ومهارة في بناء القص بوصفه نتاجًا إبداعيًا، وربما عاد ذلك إلى تكوين رصين لثقافته الواسعة المتعددة المشارب شفاهيًا وكتابيًا.
أما الجانب الإنساني فمن العدل أن نشير إلى أن أبا نايف شخصية تتسم بالصدق والوفاء والتسامح، وحب التعاون مع الجميع، ومن أمثلة ذلك مثابرته على تقديم العون للطلاب والباحثين وتزويدهم بالمراجع الحديثة والقديمة والكتب النادرة التي يحتاجون إليها. وهنا أختم بتحية حب ووفاء للشاعر سعد الحميدين الذي بذل وأعطى ولا يزال، وبالتقدير الكبير لملحق الجزيرة الثقافية على منح هذه المساحة الاحتفائية الرمزية.
** **
- د. معجب بن سعيد العدواني