يسعى الإنسان إلى البقاء والامتياز به حتى في أفضل الظروف بلا هوادة تجعل من عثرات المرض أو العجز أو الجهل قيمة تحصره أو تخيفه، ووفقًا لرأي داروين الذي يصنف الأخلاق على أنها ضرورة بيولوجية تساعد على بقاء النوع تأتي حتمية التخلق للكائن الاجتماعي، الذي يقيم تعاملاته ويهذب طرقها ويحدد مساراتها بما ينفع في ذلك الوجود، وبما يحقق أيضًا من رضى وسعادة واستمتاع لذلك المخلوق، تحت ما ينشد من حياة كريمة تسير نحو تغيير وتطوير يوائم سرعة استجابة تأتي كالواجب نحو المنافع وتحقيق الراحة.
فهل من الممكن أن تتغير قيمة الخُلق بتغير زمنه أو دوافعه؟
يقول والدو: «التزلج على جليد عائم يعني أن سلامتنا في سرعتنا».
والمجتمع الذي تكثر فيه القيم الخلقية ينمو ويزدهر ويزيد عدده سواءً كنّا مع من يرى بشكل منطقي أن سبب الأخلاق سبب علمي بحت أو ديني آمر وناه.
هل تمهلنا المؤثرات الصلبة درجة ثبات كافية رغم أن كل ما حولنا صار قابلاً للتفاوض والنسبية والاستهلاك ومن ثمة لذوبان تلك الحداثة، حداثة حَكمت أكثر مما حكمها الإنسان كمُحدث؟ نغم التسارع طاغ، جعل المجتمع يسير على رمال متحركة.. وقد نسميها كما سماها عالِم الاجتماع زيجمونت بومان «حداثة سائلة» عنون بها أحد كتب مجموعته التي سميت بمجموعة السوائل، وهي كتب معاصرة بامتياز شرحت النمط اللحظي الرهيب في التعاقب والملاحقة الذي نستطيع وصفه بالركض، ليس الركض إلى شيء بقدر ما أصبح الأمر معنياً بالركض نفسه، والذي ساح ما بين لُهاثه دوائر كثيرة مفرغة، كالبحث الاستهلاكي ذي المتعة اللحظية والتطبع الطبقي في رحابه، والفردانية التي أصبحت مآلاً، وغيرها من آثار مذيبة. وما استغرق في بيانه تحت « الحب السائل « و» الحياة السائلة»و «الثقافة السائلة «و « الأزمنة السائلة « و»الشر السائل» و»الأخلاق السائلة» ليصنع كل هذا التسرب مشهدًا كاملاً يبعث على تأمل الإناء الذي يستوعب شكلًا متغيرًا فعلاً.
** **
لطيفة هيف - روائية