الثقافية - محمد هليل الرويلي:
أكد الباحث في مجال علم اجتماع النقد واللسانيات الحديثة ودراسات الخطاب الدكتور «محمد الدكان» أن حقل النقد الأدبي بوجه عام، والنقد السعودي بوجه خاص، لم يكن في عزلةٍ عن أبرز ملمح من ملامح هذا التحول في التواصل، المتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي، ولم يكن بمنأى عما يدور في فضائها من مثاقفات معرفية، وتبادلات نقدية، بين روَّاد الحقل النقدي، والمنتمين إليه، في المجتمع السعودي. مشيرًا - على وجه الاستعارة - إلى عبارة سارتر عن الأدب: «أدب حقبةٍ ما من الزمن هو الحقبة ذاتها». فإننا سنقول عن نقد هذه الحقبة المعاصرة السريعة هو الحقبة ذاتها، بتحولاتها التواصلية السريعة، التي ألقتْ بظلالها على العلوم والمعارف الإنسانية عمومًا.
وقال للثقافية في رصد لتتبع الخطاب النقدي في الشبكات الاجتماعية وأبرز ملامحه العامة: يمكن للمتأمل أن يرصد تحولات الخطاب النقدي في الشبكات الاجتماعية، في المستويات الآتية: «مستوى المفهوم» للنقد، حيث تجاوز النص، والخطاب، والنظرية، بوصفها أولويةً من أولوياته سابقاً، إلى الظاهرة الثقافية والاجتماعية والفكرية والسياسية والتنموية، بروح أقرب إلى روح الحياة الاجتماعية العامة، انطلاقاً من فهم الناقد السعودي لفكرة: (الشبكات الاجتماعية)، وتوظيفها في خطابه النقدي. و»مستوى العلاقة» التي أقامها الخطاب النقدي السعودي، مع العلوم الاجتماعية والمعارف الإنسانية الجديدة العامة المتنوعة من جهة، والأنساق والتقنيات الرقمية الحديثة من صور وفيديوهات ومواقع ووسائط أخرى متنوعة، من جهة أخرى. إضافة إلى «مستوى الوظيفة» للناقد، فإلى جانب الناقد الأدبي ظهرت ملامح الناقد السعودي الاجتماعي الجديد، هذا الناقد الذي رأى في تويتر فرصة من فرص التأثير، وتقديم الذات الناقدة للمجتمع، بطريقة لا يمكن أن تتم عبر المقالة، والمحاضرة، والندوة.
وتابع: وتعد من جانب «مستوى الشكل»، حيث المدونة النقدية الجديدة، هي حساب الناقد الشخصي، بهويتها، وعتباتها النصية الجديدة الخاصة، إضافة إلى تقاليد التغريد النقدي وسماته الشكلية والأسلوبية الجديدة. و»مستوى المضمون» النقدي، فالتنمية والتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وقضايا الإعلام، ومستجدات المشهد النقدي وفعالياته، دخلت لتشكل جزءاً من هاجس المحتوى الجديد الذي يقدمه الناقد في تويتر. وعلى «مستوى الأجناس» النقدية، التي ظهرت بشكل لافت ومتنوع، وفقاً لتقاليد التغريد النقدي، تبدأ على سبيل المثال بالخبر النقدي بشكله السردي القصير، مروراً بالخاطرة النقدية الموجزة، وانتهاءً بالحوار النقدي الجديد.
أما على مستوى التلقي فجمهور الناقد هو هـذا الجمهور الافتراضي الذي يتابعه اختياراً، في تعبير جديد عن الجمهور في مجالس النقد قديماً، والصالونات والمنتديات الثقافية والأدبية والنقدية في العصر الحديث.
وبين الدكتور الدكان من فضاء هذه الشبكات الاجتماعية، ومن ملامح التحول السابقة التي فرضتها هذه الشبكات على مستوى الخطاب النقدي السعودي الجديد، تظهر جملة من السمات والمظاهر المعرفية التي اتشح بها الخطاب النقدي - أو هكذا ينبغي له - في الشبكات الاجتماعية، منها «النقد.. والمسؤولية» حيث عبّر الناقد السعودي من خلال خطابه النقدي في تويتر عن نموذج الناقد المسؤول مسؤولية معرفية نقدية، وهذه المسؤولية هي: «وعي الناقد بدوره المسؤول أثناء تصوره للقضايا، وأثناء إطلاقه الحكم النقدي، فهو يقيم آراءه النقدية في ضوء هذا الاستشعار للدور المسؤول المطلق بمهمته, يظهر ذلك مثلًا في: الحوارات التعليمية، والحجاجية، والأخبار النقدية، والخواطر النقدية الاجتماعية والثقافية والعلمية وغيرها, هذا على مستوى الوعي، كما ظهرت المسؤولية لدى الناقد السعودي في تويتر من خلال اللغة، على حد تعبير الدكتور عبد الله الغذامي في بيانه الثقافي الخاص بالتواصل في تويتر: «إن كل قول نقوله في تويتر هو مسؤولية أخلاقية وقانونية، ذاتية واعتبارية، ولا يمكن أن نقول إن تويتر مساحة حرة لنا ونقف عند ذلك.
كما أشار الدكتور محمد الدكان إلى وجود حضور لافت للمجتمع ضمن مشاغل الناقد السعودي في تويتر قائلًا: أسفرت نماذج نقدية كثيرة، من خلال التتبع والاستقراء، عن حضور لافت للمجتمع ضمن مشاغل الناقد السعودي في تويتر، وإحدى أولوياته المعرفية التواصلية، وظهر ذلك في الحوارات التعليمية مثلًا، والمشاركة في المناسبات المجتمعية العامة بالتغريد، والإشهار، والتأييد، والمتابعة، وهي عودة بالنقد والناقد للمنابع الفجرية الأولى له في العلاقة مع المجتمع والعالم، بعيدًا عن ذلك الوهم النقدي لدى «بعض النقاد حين يظنون أن التوجه إلى شريحة أوسع من بعض القراء، وتبسيط المعرفة النقدية لتبصير القراء ببعض مشاغل النقد في علاقته مع النصوص، يهدد الطابع التخصصي للنقد، ويقلل من شأنه لحقل معرفي له مرجعياته المحددة، ولغته الاصطلاحية الخاصة به. وقد خسر هؤلاء النقاد شريحة واسعة من القراء من طلبة الجامعات والكليات الجامعة. إن الناقد مثله مثل أي كاتب، له دوره في حياة المجتمع، ودوره هذا هو جزء من الممارسة النقدية».
ولفت في جانب «النقد وروح المواكبة» لمقولة بارني: «الروح مبدأ مفعم بالحياة» في كتابه (المجتمع الشبكي)، وزاد: إن روح النقد هي من روح الحياة التي يحياها النقاد تحت خطوط طول التطور والتحول، وفي دوائر عرضه، ولأن حياة الناس في كنف المنصات الرقمية الافتراضية في الشبكات الاجتماعية اتسعت على هذا النحو الذي نشاهده جميعاً، فإن الرهان لدى النقد والنقاد هو في مواكبة هذه الحياة الرقمية، والتحدي تحديداً هو إنتاج الخطاب الذي يخرج من صمت الزوايا الضيقة إلى شمس الحدائق العامة.
إن عبارة تويتر اللازمة والمواجهة لكل مستخدم: ماذا يحدث الآن؟ هي سؤال للنقد والناقد، و(الآن) بما هي ظرف الحاضر، الذي في طيّه أفقُ انتظارات المستقبل، و(الآن) للنقد والناقد السعودي هي أداة من أدوات الاستفزاز والحث على المواكبة لحياة التواصل الاجتماعي الرقمي، من خلال (النقد)، وهو ما ظهر لنا في: الصورة، والفيديو، والرابط، كما ظهر من خلال: الوسم النقدي، وغيرها من تقاليد التواصل النقدي في تويتر المعبر عن حالة المواكبة النقدية لروح الحياة الاجتماعية في هذه الشبكات.