تنبه العرب قديما إلى أن الحسن والجمال يعكس جمال الخلق والفعل, وليس أدل على ذلك من قولهم: ”اطلبوا الحوائج من حسان الوجوه”, كما تصدر حسن الوجه صفات المديح عند العديد من الشعراء كقول الشاعر الحكيم زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوههم
وأندية ينتابها القول والفعل
على مكثريهم رزق من يعتريهم
وعند المقلين السماحة والبذل
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم
مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل
وقول آخر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
وقال آخر:
وفتيان صدق حسان الوجوه
لا يجدون لشيء ألم
ومن الغريب أن يغفل جانب الحسن والجمال في الحكم على الناس والتنبؤ بردود أفعالهم وتصرفاتهم! بل ابتعد الكثير عن هذه الحقيقة فلخصوا الجمال في أمر معنوي خالص وهو جمال الروح, كما ذهب البعض إلى أكثر من ذلك فنبذوا الجمال ظنا منهم أنه مدعاة للغرور والشرور, وانتصروا للقبح لأنه أحرى بالتواضع ولين الجانب.
والحق أن تفضيل القبح على الجمال نوع من تفضيل الغريب والنادر والشاذ, وهو تعظيم يشبه ضحك السامعين من نوادر كلام الصبيان وملح المجانين. ومن طريف ما ورد في ذلك ما ذكره الخطيب البليغ سهل بن هارون وكان في نفسه عتيق الوجه, حسن الإشارة, معتدل القامة, ومقبول الصورة, يقول: “لو أن رجلين خطبا أو تحدثا أو احتجا أو وصفا, وكان أحدهما جميلا جليلا… وكان الآخر قليلا باذ الهيئة دميما, وخامل الذكر مجهولا, ثم كان كلاهما في مقدار واحد من البلاغة وفي وزن واحد من الصواب, لتصدع عنهما الجمع وعامتهم تقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم, وللباذ الهيئة على ذي الهيئة, ولشغلهم التعجب منه على مساواة صاحبه, ولصار التعجب منه سببا للعجب به, ولكان الإكثار في شأنه علة للإكثار في مدحه؛ لأن النفوس كانت له أحقر, ومن بيانه أيأس, ومن حسده أبعد. فإذا هجموا منه على ما لم يحتسبوه, وظهر منهم خلاف ما قدروه؛ تضاعف حسن كلامه في صدورهم, وكبر في عيونهم؛ لأن الشيء من غير معدنه أغرب, وكلما كان أغرب كان أبعد في الوهم, وكلما كان أبعد في الوهم كان أظرف, وكلما كان أظرف كان أعجب, وكلما كان أعجب كان أبدع”.
** **
- شروق عبدالله الثميري