عطية محمد عطية عقيلان
مر توثيق اللحظات الجميلة التي نعيشها عبر التصوير الفوتغرافي ومن ثم عبر الفيديو بالصوت والصورة، إلا أن التطوير شملها وبشكلٍ متسارع أسوة بقطاع التكنولوجيا والاتصالات، وأصبحنا نوثق كل حركاتنا وسكناتنا، وننقل ونعرض مناسباتنا وأكلاتنا على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، بل نبذل الجهد لعرضها بشكل جميل ومثالي تشغلنا عن الاستمتاع والتلذذ بها وعيشها بتلقائية، وتطورنا في ذلك وانتقلنا إلى عرض حياتنا الشخصية بكل تفاصيلها بقليل من الواقعية وكثير من المثالية المصطنعة في تنافس وهوس على أجمل اللقطات المثالية والرومانسية وإضافة المؤثرات التقنية لتكون جذابة، فأصبحنا نرسل وتصلنا عشرات اللقطات والسنابات والتغريدات التي تتناول مختلف المناسبات وبعضها يحمل عاطفة وحب وود وعبارات تبعث على الغيرة والغبن وأحياناً الحسد بما تحتويه من سعادة ونعيم وحب وهناء وراحة بال وعلاقات عائلية جميلة وقوية ويكتنفها الألفة والسكينة، وأصبحنا نعيش في دوامة المقارنة والتقليد المصطنع، متناسين أننا نمارس نفس التضليل المزيف لواقعنا بتجميله وبمثالية أحياناً تكون عكسها أو أقل تقدير أضفنا عليها المحسنات والمؤثرات الصوتية والتصويرية، رغم أننا نعرف جيداً العبارة التي تقول «لا تصدق كل ما تسمع ولا نصف ما ترى واترك النصف الآخر لعقلك»، لكننا نرتكب دوماً أخطاء في تقييم ما يصلنا وعرضه على المنطق والعقل قبل أن نتأثر بصحته وهذا أيضاً انعكس على ما يصلنا من الواشين حولنا من كلام وتصرفات أقاربنا وأصدقاءنا وزملاءنا دون تمحيصه واستخدام العقل والمنطق، لذا ترانا نتأثر بالأفلام والمسلسلات والحكم على الشخصيات رغم معرفتنا المسبقة أنها مجرد قصص وأدوار تؤدى وفي كثير من الأحيان بعيدة عن الواقع، ومر أغلبنا أو كان شاهدَ عيان على حكايات وقصص توثيقها وعرضها كان مغايراً عن حقيقة فهمها، فتلك العائلة التي تجلس في لوبي الفندق وتستعرض قائمة الطعام والشراب كان الهدف من التصوير تسجيل هذه اللقطات دون قدرة مالية على الطلب والدفع إلا أن القصة المرسلة بالصوت والصورة توحي بأنهم استمتعوا بالطعام والجلوس، ويعجبني رأي المرأة الحكيمة عند سؤالها عن الحب والعاطفة التي يؤديها بعض الفنانين والفنانات في المسلسلات فكان جوابها هذا تمثيل و«ما قالولك صدقني» والدليل أن حياة بعضهم الحقيقة مليئة بالمشكلات والقضايا والمحاكم الأسرية والقصص المؤلمة عن خلافاتهم وتبرئهم من ابائهم أو إنكار زواجهم مع قصص عقوق للآباء تدمي القلوب.
ومن القصص الطريفة التي مرت بي أنني أثناء الاستمتاع بِأجواء الرياض مع بعض الأصدقاء، كان بجانبنا مجموعة من السيدات وعند مغادرتهن ناولن أطفالاً بجوارهن وروداً حمراء وسط امتعاض الزوجة وتعقَل الزوج بأنه سلوكي طبيعي، إلا أن المفارقة بعد ذهابهن أخذت الزوجة الوردات وبدأت التصوير بجوار زوجها والورد بينهما في مشهد مغاير للحقيقة ومضلل وكأن الزوج رومانسياً وعاطفياً وحرص على تقديمه لها وحتماً سيكون ردة فعل من يصله هذا الفيديو مدى الرومانسية التي يتمتع بها زوجها مع غبطها أو حسدها، طبعاً مع الحسرة على أزواجهن بمدى جلافتهم وقلة رومانسيتهم.
لذا عزيزي المتلقي لنتذكر مقولة برنادشو مع إمكانية تحويرها «الأفعال هي التي تؤكد على صدق المحبة، أما الكلام فالكل فلاسفة» لذا الكل في السناب وتويتر وانستجرام ومختلف منصات التواصل الاجتماعي يعيشون حياة مثالية وسعيدة في وسط أجواء رومانسية رائعة ومتكاملة ولكنهم يقولون لك لم نقل لك صدقنا، رغم مشاركتنا جميعاً في ترويج نفس الوهم الخادع بما نرسله عن حياتنا ومناسباتنا وعلاقاتنا ولكنه غالباً بعيداً عن الواقع.