د.حماد الثقفي
احتدم النقاش حول الاستثمار في الطاقة الخضراء، أو الصديقة للبيئة، والبدء باستخدام تكنولوجيا حديثة، تُسمى التكنولوجيا النظيفة (التكنولوجيا الخضراء) في ظل الأزمات العالمية الراهنة، وانعكاسها على اقتصاديات الدول بصفة عامة، والدول الريعية بصفة خاصة. ففي غضون 15 عامًا سيتغير مشهد الطاقة العالمي تمامًا؛ ليهلك من لا يأخذ الطاقة الخضراء على محمل الجد التام، وستثير الطفرة الجديدة شبح انهيار التكنولوجيا النظيفة الذي أعقب جدلاً هائلاً قبل عقد من الزمان، فـ»لا يمكننا الاستمرار في القيام بالأشياء بالطريقة التي اعتدنا عليها دائمًا، وإلا فسيصبح كوكبنا محمصًا»، قاله أندرو «تويجي» فوريست، رئيس مجلس إدارة مجموعة فورتيسكيو للمعادن. وعلى الدول أن تتجه نحو تغيير خططها بمحاولة استغلالها لمواردها الطبيعية الصديقة للبيئة؛ وذلك مواكبة للتطورات العلمية في مجال الطاقات المتجددة، والاستثمار في التكنولوجيات النظيفة والطاقات المتجددة كعنصر مفتاحي لتحقيق التنمية المستدامة، وانعكاساتها على الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛ والدليل ما حدث في أواخر العقد الأول من (ق 20) وأوائل العقد الأول من (ق 21)؛ إذ حدث انفجار في الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، أو ما يسمى الطاقة المتجددة، إضافة إلى تقنيات أخرى للحد من انبعاثات الكربون؛ لتنهال الأموال، ويكون عام 2011 فشلاً لشركة تصنيع الطاقة الشمسية «سوليندرا» بشكل مذهل، وخسارة نحو 25 مليار دولار، وباتت «التكنولوجيا النظيفة» مصطلحًا «قذرًا» في أروقة أصحاب رؤوس الأموال، أمثال بيل غيتس ومايكل بلومبرغ مؤسس (بلومبرغ نيوز)؛ لتتجه الأموال إلى الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكأن المستثمرين يكررون أخطاء العقد الماضي.
وفي سباق للحد من تغير المناخ تسارع البلدان إلى خفض الوقود الأحفوري، وتعزيز الطاقة النظيفة، وتحويل اقتصاداتها، بل تبنت عشرات الدول الاقتصادية الكبرى في العالم أهدافًا لانبعاثات صفرية بحلول عام 2050م؛ ليصل سوق الطاقة المعتمدة على الهيدروجين الأخضر إلى 12 تريليون دولار بحلول العام نفسه؛ وبالتالي انضمت 189 دولة إلى اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، التي تهدف للحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب لأقل من درجتين مئويتين، ثم عودة أمريكا مؤخرًا إليها.
وخلال عام كورونا كانت الطاقة النظيفة الجزء الوحيد من قطاع الطاقة الذي شهد نموًّا، سجلت فيه الكهرباء رقمًا قياسيًّا، بلغ 200 جيجاوات، في حين تقلص باقي قطاع الطاقة، وانخفض الطلب على النفط 8.8 %، والطلب على الفحم 5 %، مقارنة بالعام السابق؛ إذ قال فاتح بيرول، رئيس وكالة الطاقة الدولية: «يمكننا القول إن مصادر الطاقة المتجددة كانت محصنة ضد كوفيد».
لكن وجد تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة 3 طرق يمكن للدول أن تمارس بها نفوذها في النظام الجديد، أولاها: تصدير الكهرباء أو أنواع الوقود الأخضر، ثم التحكم في المواد الخام المستخدمة في الطاقة النظيفة، مثل الليثيوم والكوبالت. والثالثة: اكتساب ميزة في التكنولوجيا، مثل بطاريات السيارات الكهربائية. والفائز فيها من يعتمد على التكنولوجيا.
وأخيرًا: عندما تتجه الشركات الكبرى إلى استثمار المليارات من الدولارات في التكنولوجيا النظيفة عندها تكون الرسالة واضحة. لم تعد التكنولوجيا النظيفة قضية اجتماعية يروج لها ناشطو البيئة، ولكنها تتحول بالتدريج إلى استثمار لجلب الأموال وفق سياسات ومصالح خاصة.