خالد محمد الدوس
بقلوب مفعمة بالحزن والأسى فقدت الصحافة الوطنية أحد رجالاتها المخلصين ورموزها الأوفياء الذين أمضوا ما يقارب (خمسة عقود) زمنية في مهنة المتاعب.. وعاصروا أهم المراحل التاريخية والتحولات المهنية النوعية في مسيرة الصحافة السعودية.
برحيل الإعلامي المعروف الأستاذ محمد الوعيل -رحمه الله- خسرت الصحافة السعودية كوكباً
(مضيئاً) من الكواكب السّيارة في مدار العمل الصحفي الرصين الذين أثروا بلاط (صاحبة الجلالة) بفكر عصري مهتم بقضايا وهموم الوطن والمواطن.. وضعته أحد رموز الصحافة الوطنية في عصرها الذهبي قبل هبوب رياح الإعلام الجديد وتحدياتها المستقبلية..! بوفاة (أبونايف) فارس القلم والكلمة الصادقة فقدت (السلطة الرابعة) في الوطن العربي علماً بارزاً من أعلامها الكبار ممن تميزوا بالطرح الموضوعي والجدية والمهنية العالية كقامة سامقة امتدت بعطائها وإبداعها للساحة الخليجية والعربية..
فالفقيد كان صاحب مفردة ثرية, وكلمة عميقة تلامس نبض المجتمع وهموم الوطن.. تميزت برؤية شمولية وتحليل بديع وأسلوب متين على كثير من الإشراق والإبداع الصحفي خاصة في أسلوب فن الحوارات مع المسؤولين.. وفي كثير من القضايا والجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تهم المواطن والوطن.. وعندما تسنم سدة رئاسة تحرير (صحيفة اليوم) استطاع بمهنيته العالية وحنكته أن يضعها ضمن الصحف الرائدة (محتوى وتأثيراً وانتشاراً وأرباحاً) وجعل منها أيقونة في صناعة رأي عام مستنير بعد أن دعم الصحيفة الشرقاوية المتوثبة بكوادر تحريرية وأقلام موهوبة وأسماء مؤثرة في الحراك الصحفي، فكان جزءاً فاعلاً في الحراك التنموي في وطننا الكبير خلال العقود الأخيرة، لا غرابة من ذلك فأبونايف -غفر الله له- عايش الصحافة عقوداً من الزمن صافحت العقد الخامس, كان ملتزماً بالقيم المهنية والموضوعية في التعاطي الإعلامي التي تمثل أساسًا لممارسة مهنة العمل الصحفي.. بعد أن نذر عمره وأفنى شبابه للصحافة وفن الكتابة بحب وعشق وانتماء أصيل لمهنة المتاعب والمصاعب.!!
تشرفت بمعرفة أستاذنا النبيل والإنسان الاصيل (محمد الوعيل) قبل خمسة عشر عاماً بحكم اهتمامي الصحفي بالتاريخ الرياضي والإعلامي في صحيفة الوفاء (الجزيرة) وكنت حريصاً على رصد الحركة الرياضية والإعلامية التاريخية في مملكتنا الغالية فبعد أن اجريت لقاء تاريخيا عن مسيرة شقيقه الكابتن الخلوق (فهد الوعيل) الذي مثل نجمة الرياض والشباب في الثمانينيات الهجرية طلبت منه رصد تجربة شقيقه الاستاذ محمد -رحمه الله - الذي خاض تجربة رياضية مع شقيقه فهد آنذاك بعد أن ترك الرياضة لاعباً في سن مبكرة ليتألق في مضمار الإعلام الرياضي في التسعينيات الهجرية من القرن الفائت, وكان بالمناسبة من رجالات الحركة الإعلامية الذين شاركوا في وضع أسس العمل الصحفي الرياضي في الصحافة السعودية عندما بدأ في تلك الفترة الماضية في الصحافة الرياضية مراسلاً لجريدة الجزيرة ثم الندوة ثم تكليفه بالإشراف على القسم الرياضي بجريدة الرياض، وكانت له إسهامات واسعة في تلك الحقبة الفائتة ليتقلد العديد من المناصب في مسيرته المهنية من مدير تحرير ثم نائب رئيس التحرير وأخيراً رئيساً للتحرير في صحيفة المسائية، قبل توقف صدورها ثم الصعود لسنام التحرير في صحيفة اليوم 14 عاماً.
وبالفعل هاتفه -يرحمه الله- طالبا لقاء شموليا عن تجربته الرياضية والإعلامية هنا في الجزيرة، فاعتذر بلطف ولباقة لارتباطه بمسؤولياته المهنية ومشاغله العملية كرئيس تحرير (صحيفة اليوم) لكنه أكد متى ما سنحت الفرصة سيتم التواصل معي، وكنت متشوقاً لهذا اللقاء التاريخي مع قامة عملاقة في بلاط صاحبة الجلالة ولم يكتب اللقاء..!!
ولكن كسبت معرفة شخصية قيادية كانت تعشق لغة التحدي والتفاعل مع الأحداث في وقتها.. شخصية كانت تؤمن بالرأي والرأي الآخر اتسمت بالخلق الرفيع والتواضع الجم والابتسامة الصافية الدائمة.
كان الفقيد كبيرًا في حكمته وأسلوبه المتفرد.. وفي حبه لوطنه وتضحياته لمهنته، وهو ابن الصحافة التي عشقها منذ بواكير عمره.. خلاصتها شخصية شمولية بارعة ذات رقم مؤثر في العمل الصحفي في الشأن المحلي.
رحم الله (محبوب الجميع) في عالم الصحافة السعودية.. صاحب القلب الكبير الأستاذ (محمد الوعيل) الذي رحل بجسده.. وبقيت سيرته النيرة وسمعته العطرة محفورة في الذاكرة والوجدان. تغمده الله بواسع رحمته.