هم أجمل ما في الكون وأعذبه، مالكو القلوب والعقول رموز البراءة والنقاء والتفاؤل بدونهم لا تحلو الحياة، فهم زينتها وثروتها، مخلوقات رقيقة، صفحات بيضاء تسطر منذ أن تدب فيها الروح، كل ما تجده ويقابلها من أحداث تكون من خلال تجاربها، بداية لحياتها بكل ما فيها من سعادة وعناء كي تكبر وقد اكتملت بالصورة التي نحبها وتقر بها أعيننا.
أطفالنا هم تلك المخلوقات النقية والأرواح البريئة التي تستحق منا كل الاهتمام والبذل والعطاء، هم الثروات الحقيقية التي لا بد وأن نعتني بها وننميها كي نسعد بها في الغد.
بعد ولادة الطفل يبدأ في اكتساب الخبرات والمهارات بدءا من التعرف على صوت أمه إلى الحصول على المزيد والمزيد من الخبرات اليومية إلى أن يصل إلى مرحلة الإدراك الكامل وكيفية التفريق بين ما هو صحيح وخاطئ في مراحل عمره التالية ومن ثم بقية حياته.
يكون الطفل كالصحائف البيضاء التي إن لم تسطر الكتابة فيها باستقامة فإننا قد نواجه عمرا طويلا في محاولات إصلاح اعوجاج صاحبها وهذا من أسوأ ما قد يقابله الوالدان على الإطلاق.
ما قد يهم الأم في مراحل طفولة أبنائها هو أن تستوفى لديهم كل سبل الراحة الجسدية والنفسية وأن يشعروا بالأمن والدفء والشبع وأخذ قسط كبير من النوم حفاظا على نموهم الجسدي ومحاولة إشعارهم بالحياة الأسرية التي تسهم في توازن الشخصية بعد ذلك وبالتالي اتزان العمليات العقلية والتفكير.
وقد تجد بعض السيدات في وسائل الإعلام ومنها أفلام الكارتون وبرامج الأطفال عاملا مساعدا لها في تكوين الصور والخبرات وبعض المهارات التي تساعد في تربيتها لصغارها.
بعض الأمهات تضع صغارها أمام شاشات التلفاز أو شاشات الهواتف المحمولة وتسعد كثيرا بإلهائهم وهدوئهم كي تقوم بأعمالها المنزلية أو العملية دون رقيب على المحتوى، الذي يقدم وقد لا يكون مناسبا للمرحلة العمرية التي يكون عليها أطفالها.
والبعض الآخر ينتقين وباحترافية ما يقدمنه لأطفالهن من وسائل تساعدهم في تربيتهم بطريقة أكثر وعيا، هؤلاء الأمهات يعرفن طريقهن جيدا وبالتالي لا يجب القلق على ما قد تكون تربية أبنائهن عليه.
القلق هنا من القسم الأسبق من الأمهات اللاتي يتركن أطفالهن منذ بداية مراحل عمرهم الأولى دون رقابة ومتابعة للمواد الإعلامية والأفلام الكرتونية والبرامج التي في ظاهرها المرح والتسلية وفي باطنها إرساء مبادئ وطرق للعيش وأساليب حياة لا تناسب مجتمعاتنا العربية والإسلامية على وجه الخصوص في غياب الكوادر الإعلامية المتخصصة في إعداد الرسائل المناسبة لأطفالنا، كما كنا في السابق، أصبح معظم خريجات كليات الإعلام يطمحن إلى العمل كمذيعات (للتوك شو) باعتبار أنها تجني مشاهدات وأرباحاً أعلى من غيرها من البرامج الأخرى أو الانخراط في البرامج السياسية أو الاجتماعية وإهمال مجال الطفولة ومحاولة مساعدة المجتمع على تنشئة سليمة للأطفال، في حين لو التفتن إلى الرعيل الأول من مذيعات الوطن العربي واللاتي سطرن أسماءهن في عقول أجيال متعاقبة بما قدموه من برامج أسهمت بقدر كبير على مر السنوات الفائتة وخصوصا حقبة الثمانينيات وما قبلها وبعدها من القرن الماضي في إثراء الشخصيات ووضع القدوة الصحيحة أمام أعين من هم اليوم آباء وأمهات تم بناؤهم عقليا بناء راسخا لا يتأثر بمستجدات الساحة العالمية من الأفكار الضالة والمعكوسة وكثرة وعشوائية الأفكار عن علاقة الأبناء بأسرهم وبمجتمعهم واحترام الكبار ومعرفة الواجبات قبل الحقوق مما جعلهن خالدات في أذهان الجميع مهما مرت الحقب والسنوات من منا لا يتذكر.
المذيعة السعودية أسماء زعزوع (ماما أسماء) والتي قدمت برامج الأطفال عبر الإذاعة، منذ انضمامها إليها عام 1962 مع زميلتيها نجدية الحجيلان وفاتنة شاكر، ودخلت (ماما أسماء) العمل الإذاعي بعد اكتسابها خبرة في القسم العربي بإذاعة الهند وظلت (ماما أسماء) تعمل ببرامج الأطفال تطورها وتساعد بصوتها عبر أثير الإذاعة في تنمية وتربية الطفل السعودي حتى عام 1985. والإعلامية المصرية (نجوى إبراهيم) وبرنامجها التلفزيوني (ماما نجوى) الذي استعانت فيه بالدمى كشخصيات محببه لتعليم الأطفال السلوكيات الصحيحة والمعاملات داخل الأسرة، وفي الكويت المذيعة (أنيسه جعفر) والتي عرفت لعقود باسم ماما أنيسة وبرنامجها الهادف بنقاش الأطفال واستعراض أحاديثهم، كذلك الإعلامية (عفاف الهلاوي) وأول فكره تربط الطفل بسينما مخصصة للأطفال اجتمع حول شاشتها أطفال العالم العربي في كل يوم جمعة لمشاهدة أحدث إصدارات أفلام الأطفال في برنامج (سينما الأطفال) وغيرهن كثيرات لا يتسع هذا المقال لتذكرهن جميعا، لم تكن البرامج التي قدمنها لمجرد الترفيه وإضاعة الوقت وإنما كانت لتعليم الأطفال وبطرق غير مباشرة السلوك القويم وكيفية احترام الوالدين والأسرة، فطن أوائل الإعلاميين وأوائل الإعلاميات إلى شيء مهم وهو كيفية الاهتمام بأساس البناء وتشكيل المادة الخام واستغلال نقاء العقل في سن الطفولة وقاموا بملئه بالعديد من القيم والمبادئ التي افتقد الاهتمام بها إعلاميو اليوم الذين اهتموا فقط بالطفل من الناحية الإعلانية وكيفية استغلاله كي يكون مستهلكا فقط للمواد الجاهزة والسلع والأفلام والبرامج القادمة من مجتمعات وثقافات تختلف عن المجتمعات والأعراف العربية تتسرب داخلها أفكار غير سوية وعلاقات تشوبها الريبة وخاصة مع ازدياد تعرض الطفل للوسائل الإعلامية الجديدة التي فرضت نفسها وبسرعة هائلة على الأسرة العربية في ظل غياب وعي الوالدين وسعادتهما الجمة بسكوت واستكانة طفلهم أمام شاشة صغيرة لا يعلمون عظم خطرها عليه وعليهم إن لم تكن هناك رقابة واعية ودقيقة أكل ما يشاهد ويتعرض له، وكلما زادت ساعات المشاهدة زادت ساعات التعلم غير المباشر وتخزين كم هائل من التوجهات والأفكار وكم أكبر من التقليد والمحاكاة وخصوصا إذا كان الطفل في العمر ما بين ثلاث إلى ست سنوات فما أعلى تزداد نسب الخطورة مع ازدياد شعور الطفل بقدراته الحركية ومحاولة تجريب ما يتعرض له من حركات تمثيليأو رياضية أو ما تحتويه أفلام الأكشن أو حتى الرعب نعم هناك بعض الأسر تلزم أطفالها كنوع من تقوية الشخصية وعدم الخوف من وجهة نظرهم بأن يشاهدوا أفلاما تحتوي على مشاهد مرعبة أو مأساوية وبالتالي ينتجون شخصيات مهزوزة ومريضة وفي أحيان أخرى مشاريع إجرامية صغيره تحدث الكثير من الكوارث بل تقدم على ارتكاب جرائم كالتي شاهدتها برعاية من الأسرة عدم مراعاة السن الذي يمكن تعريض أطفالنا للمشاهدة فيه ينذر بمساوئ عدة على المجتمع، ولا بد وأن ننتقي لهؤلاء الصغار ما يمكن أن يشاهدوه ويسمعوه خاصة في مراحل عمرهم الأولى كما نبرع في انتقاء الملبس والمأكل والغرف المخصصة لهم التي نسعد بهم وهم يدخلونها في هدوء ومعهم هواتفهم المحمولة ونذهب نحن لقضاء أوقاتنا مطمئنين وسعداء بالهدوء الذي كثيرا ما ينذر بالعواصف المدمرة على الكثير من الأسر، وكلنا سمع عن ألعاب وتطبيقات على الحواسب والأجهزة تتسبب في مقتل الأبناء في غياب رقابة الأسرة وما زالت تلك الألعاب قائمة إلى يومنا هذا، بل وتطور كل يوم وتأخذ مسميات أخرى، وغيرها من التطبيقات التي تتجسس بطريقة غير مباشرة على العائلات وتنقل لها المعلومات الخطيرة عن طريق استخدام الأبناء بدون قصد لمعلومات أسرهم دون أن يدري أحد.
لدى كل طفل في مراحل عمره الأولى مهارات وطاقات لا بد أن تستغل جيدا ولا يترك لغير الوالدين العنان فيها لأن لا أحد غيرهما يكون حريصاً إن وجدا أو وجد أحدهما على إبقاء الطفل في أمان نفسي وعقلي وحياتي خال من المعوقات والأزمات، وعلينا أن نلتفت قليلا إلى الوراء لا لنرجع إلى ما مضى ولكن لأخذ الأفكار والطرق القويمة ونعيد صياغتها كي تناسب متطلبات الحياة الحديثة.
وعلينا أن نعود ونهتم بلغة أطفالنا العربية ونعلمهم كيفية الاعتزاز بها نحرص على أن يحفظوا ولو القليل من آيات كتاب ربهم والاقتداء بالسنة ومعرفة فروض دينهم لا نسعد ونتفاخر بمعرفتهم لغات وعادات الغرب بلا وعي وهم يوما بعد يوم يتناسون لغتهم ومفرداتها هناك العديد من البرامج بل القنوات المخصصة للأطفال ولكنها لا ترقى إلى المستوى الذي يجبر العائلة كاملة بالجلوس أمامها والتجمع لمشاهدتها لأنهم قد يشعرون أنها تمسهم وتتحدث إلى الطفولة المخزنة في عقل الآباء والأمهات قبل ما تتحدث لأبنائهم وهنا تكمن فكرة التجمعات الأسرية حول البرامج الخاصة بالطفل، ولابد كذلك أن تعود التجمعات الأسرية في البيت الواحد ومعرفة الطفل أنه جزء لا يتجزأ من العائلة فرد مهم وله صوته واحترامه إذا ما احترم الكبار وحافظ على مبادئ دينه وأسرته.
ترك الأطفال دائما بعيدا أمام هذه الشاشات وتلك البرامج يقلل ويضعف كثيرا الانتماء للأسرة وتفضيل العزلة وازدياد الكآبة والانطوائية.
وسائل الإعلام كذلك لا بد أن تعود على خريطة برامجها مخصصات للأطفال ولا بد من عودة شخصيات تكون قدوة تتمتع بدراية عالية لما يريده الأطفال في المراحل الأولى من الطفولة وبداية المراهقة وكذلك على ما يفيد المجتمع ويرفع من درجة تماسكه ومعرفة الخاطئ والصحيح من الأفعال أيهما حرام وحلال مع مراعاة مواكبة ما يتغير يوميا من مستجدات العلوم والتقنية الحديثة والاهتمام ببرامج تنمية وتطور التفكير والمسابقات التي تكون محببة لكثير من الأطفال محتوى يقدم فيه احترام لعقلية الطفل الذي لم يعد يحب الحديث اليه كطفل بعد ما يتعرض له يوميا من تطبيقات وبرامج اليوتيوب والتيك توك وغيرهما، والبرامج التي تعود بالأسرة جميعها للالتفاف حول شاشة واحدة يكون محتواها جذابا للجميع محاولة جمع الأسرة للجلوس مع أطفالها هي من وجهة نظري أسمى ما يمكن تقديمه خلال تلك الفترة، والاهتمام بصناعة نجمات جديدات من الإعلاميات للقيام بدور مساعد للأم في تنشئة سليمة وبث أفكار بناءة لا بد أن تخصص لها كليات الإعلام أقساما خاصة تجتمع مع أقسام علوم الاجتماع والدراسات النفسية للأطفال في مراحل عمرهم الأولى إلى سن ما قبل المراهقة بحيث نضمن استمراريتهن لوقت أطول وبذل جهد أكبر لشرائح متعددة من الأطفال في مختلف المراحل العمرية من قبل دخول المدرسة وحتى قبيل المراهقة.
ومهما كان ما يعرض أو ما يشاهد الطفل في الهاتف المحمول أو جهاز الكمبيوتر الشخصي لا يضاهي وجود محتوى يهمه وبهم أسرته في آن واحد.
والمجتمع الواعية أفراده ومؤسساته الإعلامية هو فقط من يستطيع الفوز في ذلك السباق الرهيب لاجتذاب واستمالة الأطفال وبالتالي السيطرة والتوجيه لجيل كامل من الكبار في الغد.
والأذكياء من قيادي المؤسسات الإعلامية هم فقط من يستطيعون الفوز في هذا المضمار والوصول قبل الغير بأبناء وطنهم لما نتمناه جميعا لأطفال مجتمعنا وبلادنا العربية نحو الريادة وقيادة العالم ولم لا.
بلادنا تستحق وأطفالنا يستحقون.