عبدالوهاب الفايز
الذي نتطلع إليه، وجرى الحديث حوله في مقال سابق، هو ضرورة إيجاد آلية عملية موحدة لإصدار التراخيص للأنشطة التجارية، يقوم عليها جهاز واحد (مثل وزارة الاستثمار) حتى يُسهل للناس الحصول على التراخيص و(ممارسة الأعمال). وأيضًا حتى يكون هناك آلية عملية تعالج مشكلة تطبيق الأنظمة واللوائح التي تتيح تحصيل الرسوم وتحديد طبيعة المخالفات على منشآت القطاع الخاص. في الوضع الحالي لدينا اجتهاد في النص، وإهدار للموارد بسبب الازدواجية، وإرباك لعمل القطاع الخاص.. والأخطر: تولّد التذمر الاجتماعي!
وحتى لا نصل إلى هذه الحالة، ونعزز جبهتنا الداخلية، نتطلع لدور مجلسي الشورى وشؤون الاقتصاد والتنمية؛ أولاً لضبط عملية تشريع الرسوم، وثانيًا لإيجاد آلية موحدة، تنوب عن الأجهزة الحكومية في التفتيش وتطبيق الأنظمة واللوائح. والآلية المقترحة هي (إنشاء شركة متخصصة) لهذا الغرض حتى نتجاوز المشاكل التي برزت مع تطبيق الأنظمة التي تحكم متطلبات التشغيل والإدارة، بالذات ما يمس الصحة والسلامة، وبيئة العمل، والالتزام بالتعليمات الحكومية.
القصص التي نسمعها من أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة حول تطبيق الأنظمة مؤسفة ومؤلمة، وبعضها غير عملي ومكلف تشغيليًّا. والذي لا نرغب الوصول آلية واستنتاجه هو: الاعتقاد أن التوسع والتشدد في فرض الرسوم والغرامات هدفه (الجباية)، وليس التقويم والتصحيح الإيجابي للأخطاء، ورفع كفاءة الإدارة، وتوجيه النشاط الاقتصادي. نتطلع إلى إيجاد هذه الآلية؛ لأننا نعرف أن التوجه الحكومي دائمًا إيجابي حينما تكون مصالح الناس على المحك. وهذه الثقة نستحضرها من مبادئ الحكم، وحرص ولي الأمر على تسهيل أمور الناس. وسبق أن بادرت الحكومة لمعالجة وضبط التوسُّع في إيقاف الخدمات عندما اتضح ضررها على الناس. الخلل في التطبيق أدى إلى التوسع، وأحيانًا (التعسف) في تحصيل الغرامات والرسوم. وهذا برز ضرره الأكبر على المستثمرين من شبابنا الذين أقبلوا على النشاطات التجارية الصغيرة المتنوعة حيث وجدوا الفرصة لكسب الرزق بعد تهيئة الدعم الحكومي، وتوفير التمويل. ورأينا ثمار هذا التوجُّه في بزور منشآت صغيرة حيوية، بالذات في قطاع الخدمات. ولكن هذا المنجز الوطني تعثر؛ لأن عملية صنع السياسات لم تتوافر لها المدخلات الفنية الضرورية والثقافة القانونية التي تحلل وتتوقع طبيعة المخاطر والآثار المترتبة على تطبيق الأنظمة على النشاط الاقتصادي. المهم أن الأخطاء تجد من يصححها، والذين يعملون في الحكومة ليسوا ملائكة معصومين، والمرور بالأخطاء ومن ثم المبادرة إلى تلافيها مؤشر على رجاحة العقول وحسن تدبير الأمور؛ فالاعتراف بالأخطاء وعدم الإنكار، والتعريف الدقيق للمشاكل، والتجرد من الذات والأهواء، تعطي الفرصة للتعلم وبناء الخبرة للمسؤولين الحكوميين بالذات الذين انتقلوا إلى المواقع الحكومية حاملين خبرتهم الفنية المحترفة في القطاع الخاص، وتنقصهم ثقافة ومهارة صنع السياسات العامة وفلسفة بناء القوانين وتطبيقها.
إذا تحقق وجود شركة وطنية موحدة، يوكل لها عملية تطبيق الأنظمة، وفرض الرسوم وتحصيلها، فهذا منجز سوف يحقق نتائج إيجابية عديدة، منها: توحيد جهة الضبط وإنفاذ الأنظمة، واستقطاب وبناء الموارد البشرية المحترفة، وفتح فرص عمل جديدة، والأهم الضروري هو (بناء قاعدة بيانات وطنية)، تتيح الدراسة والتحليل للمخالفات، ومعرفة أسبابها؛ فقد يكون مصدر المشاكل الأنظمة ولوائحها التنفيذية.
لدينا بعض الأنظمة التي قد تُعَد بعجل، وبدون مدخلات فنية تأخذ بكل الاحتمالات. أيضًا لدينا أنظمة تصدر بدون لوائح تنفيذية. وهذا خلل في آلية التشريع، نتمنى معالجته. وهذا دور مجلس الشورى.
أكثر ما يهمنا هو حيوية المنشآت الصغيرة. هذه هي أملنا ووسيلتنا لتعظيم إنتاج وتوزيع الثروة الوطنية، والأهم أنها وسيلتنا لإيجاد (المواطن الصالح) الذي يعمل عبر التجارة، بالذات المنشآت الصغيرة التي نحتاج إليها بشدة لاستيعاب البطالة.
العمل التجاري الحر يساعد الشباب على الاستقلالية والإحساس بـ(الكرامة الوطنية)؛ لأنه يحميهم من (ذل الوظيفة)؛ فالوظيفة، مهما صغرت أو كبرت، هي شكل منظم للعبودية النسبية. والملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله - سعى لبناء دولة تحقق لمواطنيها التحرر والانطلاق لإيجاد مقومات الحياة الكريمة، أي أن يتمكن المواطن من كسب رزقه بالصورة التي تجعله يعيش بكرامته، ولا يحتاج للحكومة، ولا تحتاج إليه، فقط يحتاج إليها لتوفر له الأمن وخدمات الصحة والتعليم والإسكان والنقل.
لو تدبرنا وحللنا جميع برامج الرؤية لوجدنا أنها تستهدف هذه الغاية النبيلة، أي تمكين ودعم (المواطن الصالح)، الذي يسعى لرزقه بإصرار على النجاح، ويتحمل المسؤولية تجاه الذات، ويكون قادرًا على المبادرة لاستثمار المعطيات التي توفرها الحكومة؛ ليكون المواطن (منتجًا للثروة).
أتمنى أن يضع كل صاحب مسؤولية، في البيت والمكتب، لوحة صغيرة، فيها هذا السؤال المحفز للإيجابية، ولاستيعاب حلم الملك المؤسس: (كيف أُساهم في بناء المواطن الصالح؟).