كي لا تنظر بعين قاتمة فيخفى عنك ما في الحياة من جميل فضلاً تأمل حديث (من قال هلك الناس فهو أهلكهم). وأعيذ القارئ من وجهَي ما شُرح به دلالة الحديث. فقد برز على وجه كبير كيل اللوم بحق زماننا، كما طاله من النقد الكثير مصحوبًا بين ثناياه أسى يتبعه أسف عما بلغنا من نظرة ضيقة، تنبعث من فئة -هداها الله- مع ما تتبع به (حكمها) من مسحة تشاؤم..!
أما علم ذاك الفصيل أن ظنونه عاثت بضرب من الهذيان، وإلا من تبصر بالنقلة التي بلغناها من مثل ما زاد -بفضل الله- من الوعي وقيمة النظام، وترتيب الأوقات والمواعيد.. حتى غابت تلك الزيارات الفجائية!!
وكذلك أخذ الحياة بجدية، درجة أن تجد من فئام وهي بعهدها الغر تدع الدعة جانبًا؛ لتشمر عن عضديها للعمل، فكم من (يافع) تلفاه وقد بسط أي تجارة مهما تضعضع وزنها مؤثرًا لقيمة نفسه أن تكون عالة على مجتمعها، أو طفق جامعًا ولو يسيرًا ليكوّن متجرًا متواضعًا (فود ترك - عربات الطعام).. ونحوها، تاركًا خلف همته منطق «العيب» الذي -للأسف- كم وُظف بغير محلّه. أيضًا مما نحمده أن توارت -وربما اختفت- كثير من السلوكيات، من مثل:
التفحيط/ عدم الاهتمام بالنظافة/ إضاعة الأوقات بلا مغنم مقابل/ الأطعمة وعدم الحفاظ عليها أو توجيه فائضها لمنافعها، وسلوكيات أخرى بفضل المولى تعالى.. بالتأكيد إنه كان للتوجيه في فترات سابقة ثمار اليوم نقطفها، أقصد نشاهدها، فتلكم من (إيجابيات) يجب مع الفرح بها إبرازها، على الأقل ليكون ميزاننا إلى العدل أقرب، هذا قبل أن نذم زماننا وما العيب إن كان إلا فينا. فالمهم (بلغ ذاك الشيوع) من الوعي الرياضة وأهميتها، أو على الأقل نشر ثقافة منافع المشي، بخاصة وقد تواكب ذلكم مع ما هيّأته أمانات المدن والقرى أيضًا من ميادين لذلك، ما جعل من حصة لتلك شبه إلزامية على الجميع، وربما بين النساء على وجه أكثر..
وكم وددت - لو تنفع الودادة - أن يصحب هذه الثقافة ثقافة أهمية القراءة؛ فهما خدينان؛ فالأول لصحة وبناء الجسم، والآخر لبناء العقل، بل تحسب أنهما مكملان لبعضهما، أي ما لا غنى لأحدهما عن صاحبه.
وهنا بالتأكيد لا أعني بها القراءة التي تقفز بصاحبها بلا وجهة، ولا تبلّغه دليلاً! من مثل ما يرد إلينا عبر (الوتس أب) وأخواته.. بل الذي أعنيه - وأعني ما أقول - تلك النوعية من القراءة الرصينة التي يخرج بها القارئ بحصيلة (مغنم)، أو ارتقاء ذهني، يجعل من منطقه سليم الحجة، معطاء بميدان النقاشات، عاقلاً مع من يختلف معه، أو تقبُّل من لا يلتقي معه بالسبيل ذاته.. إلخ. فبهذا السحاء كم حاولت بعض الجهات، مثل (مكتبة الملك عبدالعزيز)، ببعض المطارات وما لها من جهد حفي لا يخفى.. كما لا أنسى «لمكتبة جرير» ردهة للتصفح قبل الابتضاع، وجهودًا هي خفية بالنسبة للمجمل من المؤمل.
يا بني قومي.. من القلب أخبركم أن لا مصدر للعلم (الحقيقي) سوى الكتاب؛ فهو وحده الرافد، كما أن لا سواه الخل والصاحب الذي بكل الأحوال ليس لك معاتب، قالها بيوم أمير الشعراء:
أنا من بدَّل بالكُتب الصحابا
لم أجد لي وافيًا إلا الكتاب
وتذكرة بالقياس ذاته عودة نزار لمدينته متغزلاً لما في خلده لها:
أنتِ النساء جميعًا.. ما من امرأة
أحببتُ بعدك.. إلا خلتُها كذبا
وعودًا إليه، فالكتاب يا أحباب لو تركته عامًا ثم عدت إليه لوجدته بالمكان ذاته بانتظارك، بل لاستقبلك بكل أريحية، وربما بترحاب فتح ذراعيه، أقصد بكلتا دفتيه.
كما حسبه ما يمدك به باطلاعك وتوسيع مدارك وعيك، وزيادة رصيد قدرك إن فُتح نقاش أو بُسط رأي للتداول.