رجاء العتيبي
المعايير الإعلامية تقول: لا تعرض للملأ موادَّ من أرشيفك القديم على قنوات التواصل الاجتماعي، أو على الواتس؛ لأن القاعدة تقول: إن العمل الفني الذي أُنجز في السابق كان له جمهوره، وجيله، ومعجبوه، ومعاييره الفنية تتناسب مع زمنه وناسه، أما اليوم فالعالم تغير، والجيل تغير، ولا مجال لأن تعرض لهم قيم فنية تختلف عن قيم العصر؛ ليس لأن أعمالك القديمة ضعيفة، ولكن لأن القيم الفنية تغيرت، والأذواق اختلفت.
أضف إلى ذلك أن تذكير الناس بأعمالك الفنية السابقة في كل مرة، وعرضك إياها باستمرار، يعطي انطباعًا لديهم بأن ليس لديك (جديد)، ولست قادرًا على الإبداع في كل الأزمنة. أعمالك الفنية تبقى (تحفًا رائعة) في تاريخك، ويمكن أن تضعها على قناة خاصة بك على اليوتيوب، وتبقى هناك لمن أراد أن يطلع عليها.
لا تعرض قديمك حاليًا إلا إذا كان هناك مناسبة، فمثلاً: يكون لديك لقاء تلفزيوني، ويعرضون (هم) شيئًا من أعمالك القديمة، أو أنت تقترحها عليهم، أو أحد يطلب عملاً معينًا قديمًا لك، أو هذا العمل القديم يرتبط بشخص حصل له حدث مهم، وفاة أو إنجاز، أو أي سبب آخر؛ لأن الإعلام يتبع الحدث، وعرض أي مادة إعلامية أيًّا كانت وفق سياق حدث معيَّن يكون مقبولاً، ولا مشكلة في ذلك.
مهارة صناعة المحتوى عليك أن تجيدها؛ لأنك تقدم نفسك من خلالها بالشكل الذي يضعك في موقع إعلامي مقبول، وليس موقعًا إعلاميًّا يضر بك وأنت لا تعلم، وتكرار عرضك أعمالك القديمة باستمرار وبدون مناسبة أمر يضرُّ بك بالتأكيد، وقد لا تعلم ذلك، ولكن الذين يعرفون نظريات الاتصال الإعلامي وصناعة المحتوى يعرفون أن ذلك أمر غير (مستحسن)، وخطأ استراتيجي، ويكون مقبولاً إذا كان مبررًا.
الذين يقضون وقتًا طويلاً في التفكير في عمل: جديد/ عظيم، يعيد لهم وهجهم الإعلامي، أفضل ألف مرة من الذين يعيدون عرض أعمالهم القديمة من دون مناسبة، ويجهدون أنفسهم في ذلك، ضياع وقت وضياع جهد، والنتيجة عكسية.
من يكرر عرض أعماله القديمة على قنوات التواصل الاجتماعي والواتس كأنه يقول: هكذا كنت. ويأتي السؤال: والآن كيف أنت؟ العبرة باليوم وليس بالأمس. وإذا كنت مصرًّا على عرض أعمالك القديمة لسبب معين لديك فدع غيرك يعرضها، أو ابتكر مناسبة لعرضها، أو اعرضها كدروس تعليمية عبر دورات تدريبية، أو تستشهد بها في ندوة أو محاضرة. أهم شيء لا تعرضها بدون مناسبة، والأهم أن تدخل مع نفسك في تحدٍّ وتقدم عملاً عظيمًا يليق بزمن اليوم، كما كنت عظيمًا في يوم ما.