د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
تلعب المجموعات العائلية التجارية والشركات والمؤسسات الوطنية في بلادنا، دورًا «متأصلًا وفاعلًا ومؤثرًا» حيال القضايا الاجتماعية ومواجهة تحدياتها التنموية، الأمر الذي تطلب التأسيس لمنهج متكامل يشمل كل من التنمية الإنسانية والتطور الاجتماعي، والمحافظة على البيئة والتراث الثقافي.
ويلاحظ وجود «صحوة» واضحة من قبل مجموعة من الشركات، التي تسعى بشكل ملموس في المساهمة لمعالجة بعض الآثار الاجتماعية والمساهمة في تقديم حلول تنموية، فأبعاد المسؤولية الاجتماعية تتعدى الالتزام الأخلاقي للشركات تجاه المجتمع، لتصل إلى أبعاد إستراتيجية واقتصادية.
وتشير الدلائل إلى وجود «علاقة وترابط» قويين، بين تنمية المجتمع ونجاح قطاع المال والأعمال. ورغم تباين الأساليب والطرق التي تنتهجها الشركات في القيام بدورها في المسؤولية الاجتماعية، إلا أن النتيجة في النهاية هي واحدة، تتمثل في المشاركات والمبادرات الاجتماعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية. ولقد انتهجت عدد من المجموعات العائلية والشركات الوطنية برامج مختلفة للمسؤولية الاجتماعية، وشجعت موظفيها على المشاركة في المشاريع، حيث وجدت أنه من خلال ذلك التوجه، يتزايد ولاء الموظفين، وترتفع معنوياتهم.
ومع «إشادة» الكاتب بالأدوار المختلفة التي يقوم بها الكثير من المجموعات العائلية والمؤسسات الاقتصادية المحلية، إلا أنه «تجنب» ذكر الأسماء، ليبتعد عن «التقصير» في حق بعضها، لكونها أسست للعديد من البرامج والمشاريع المجتمعية المتميزة، التي يشار إليها بالبنان.
ورغم ما تقوم بها تلك المجموعات من ممارسات مجتمعية رائدة، فإنه قد نتج عن ممارساتنا المحلية في المسوؤلية الاجتماعية، ولحسن الطالع، العديد من «نقاط القوة» التي يأتي من بين أهمها: القناعة بأن برامج خدمة المجتمع هي مسؤولية والتزام، وانخراط الإدارة العليا في برامج خدمة المجتمع ورسم سياساتها وتوجهاتها. كما أن التأسيس لإدارات متفرغة لتخطيط وتنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية، والاهتمام بالبيئة الداخلية والتركيز على تحسين أوضاع الموظفين وكسب انتمائهم، والفهم الواضح للمسؤولية الاجتماعية والتفريق بينها وبين الأعمال الخيرية، تمثل عوامل قوة أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل القوة المتمثلة في رسم منهجية عمل وفق قيم ومبادئ أخلاقية توجه برامج المسؤولية الاجتماعية، والخبرة المكتسبة في مجال خدمة المجتمع، وبناء العلاقات والتواصل مع الأجهزة المعنية بالرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية، والسعي المستمر للتطوير والابتكار في ممارسة المسؤولية الاجتماعية.
وقد أثبتت الممارسات المحلية في العمل الاجتماعي للمجموعات العائلية التجارية والشركات، وجود بعض «التحديات» في ممارسة المسؤولية الاجتماعية والتي يأتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، نقص مرونة بعض القطاعات ذات العلاقة في العالم مع خطط الشركات في المسؤولية الاجتماعية، وعدم توفر المعلومات والبيانات عن الحاجات الفعلية في مجال خدمة المجتمع، والخلط بين ثقافة العمل الاجتماعي والخيري ومفهوم المسؤولية الاجتماعية. كما أن عدم وضوح الرؤية لدى الإدارات الوسطى والدنيا في الشركات، ودخول العدد الكبير المتأخر في مجال المسؤولية الاجتماعية، والحاجة إلى دعم حكومي في شكل انظمة ولوائح وقوانين متطورة ومنظمة للعمل الاجتماعية، تمثل بعض التحديات التي تواجه ممارسات المسؤولية الاجتماعية. ويمكن أن نضيف لتلك التحديات أيضًا، عدم شفافية الكثير من الشركات في إيضاح كيفية تمويل برامجها في المسؤولية الاجتماعية، ناهيك عن كبر حجم المشكلات الاجتماعية القائمة وحاجتها إلى مجهود كبير من كافة مؤسسات المجتمع من جهة، وقلة التوعية ببرامج المسؤولية الاجتماعية وتقبل فئات المجتمع المختلفة بها من جهة أخرى.
ووفقًا للعديد من الدراسات والمقالات العلمية التي دونت في مجال المسؤلية الاجتماعية، فإن هناك الكثير «الدروس المستفادة» من تجاربها. فقد بينت الدراسات بأننا في حاجة إلى دعم البنية التحية للمسؤولية الاجتماعية من خلال الدراسات العلمية، كما أن الشركات والمؤسسات الوطنية ينبغي أن ينفذوا فعلاً مقاصدهم المجتمعية الحسنة، وأن لا يكتفوا فقط بإظهارها، الأمر الذي لا يكفي اجتماعيًا. وتشير الدروس المستفادة إلى الحاجة لقياس الأثر الإيجابي لما تقدمه الشركات والمؤسسات من خدمات، تطلعًا إلى إحداث نقلة نوعية تنموية واضحة المعالم، نقلة تستجيب للمتغيرات الاجتماعية والإنسانية، من خلال مبادراتها المختلفة والمتعددة.
ومن واقع اطلاع الكاتب على التجارب المجتمعية السعودية، فقد استخلص بعض الاستنتاجات التي يرى أنه ينبغي أن تأخذها برامج المسؤولية الاجتماعية الناشئة والمستقبلية في الحسبان، أملاً في الإفادة منها في تنفيذ برامجها في خدمة المجتمع.
ويأتي من بين هذه الاستنتاجات:
- أهمية منح التبرعات لقضايا قيمة تستحق العطاء.
- الإفادة من تجارب الشركات المساهمة التي دخلت العمل الاجتماعي في وقت مبكر.
- البعد عن التمويل والتبرع العشوائي غير المدروس.
- التأكد من أن البرامج التي يتم دعمها هي برامج هادفة وواضحة الفعالية.
- تجنب الازدواجية في الجهد والعطاء، وأخيرًا.
- وضع مشاريع المسؤولية الاجتماعية ضمن خطط واضحة بعيدة المدى وواسعة النطاق
ونختم بالقول إن على المجموعات التجارية العائلية والشركات والمؤسسات السعودية أن تعمل، وباستمرار، على «تقييم» ممارساتها وبنيتها التحتية المجتمعية، ووضع تصور عام لمستقبل عملها في مجالات المسؤولية الاجتماعية، وأن تحرص على أن يكون في المؤسسة إدارة مختصة بالشؤون المجتمعية، تخطيطًا وتنفيذًا للبرامج والمبادرات، تعود في مسؤولياتها للإدارة العليا، وبشكل مباشر. وللأهمية، فإننا ندعوها الالتزام بـ»الشفافية والإفصاح» الدوري في تقاريرها عن برامجها في المسؤولية الاجتماعية.
ويرى الكاتب أهمية كبيرة في «موازاة» الدور الذي تقوم به المجموعة التجارية العائلية والشركات والمؤسسات مجتمعيًا، مع «مراكزها ومكانتها» داخل مجتمعاتها المحلية، ويحبذ أن يكون بعض ما تطرحه من مبادرات «ذا علاقة» بما تزاوله من أعمال.