أ.د.عثمان بن صالح العامر
الكل يتمنى السعادة، والجميع يُنّظر لها ويتحدث عنها سواء أكان من الخاصة أو حتى العامة، رجلاً كان أو امرأة، صغيراً أو كبيراً، غنياً أو فقيراً، أياً كانت ديانته وفي أي زمان ومكان وجد وعاش. وتبقى هذه المعشوقة رغم الجهد العالمي المبذول لتحقيقها الرسمي منه والشعبي، الخاص والعام، الفردي والجماعي عصية على شريحة عريضة في المجتمع البشري، فهم يعيشون حياة الضنك التي أخبر الله عنها في كتابه الكريم جراء إعراضهم عن ذكر الله، رغم اعتقادهم امتلاك مفاتيحها وتحقق أسباب وجودها. ولمنزلتها العالمية العالية ولكونها مطلباً رئيساً لجنس الإنسان كان (اليوم العالمي للسعادة) الذي تحتفل به البشرية في العشرين من شهر مارس في كل عام.
ومع كثرة ما قرأت في هذا الباب لم أجد في التراث الفلسفي والفكري القديم منه والحديث أفضل من تنظير الإمام الغزالي رحمه الله للسعادة. فهي تتحقق -في نظره- حال تحصيل أنواع الخيرات كلها، والخيرات عنده:
- خيرات داخلية خاصة بالنفس، كالكرامة والعزة، والتعقل والحكمة، والشجاعة والعفة، والعدالة والإنصاف، والمكانة والقدرة، والسلامة من الغموم والهموم، ودوام الراحة والسرور.
- خيرات داخلية خاصة بالبدن، تتمثل في الصحة، والقوة، وجمال الجسم، وطول العمر.
- خيرات خارجية، وتشمل كل ما يعين الإنسان في حياته من وسائل خارج الذات للوصول إلى السعادة المنشودة كالمال، والنساء، والأولاد، والأصدقاء، والمسكن، والعمل.
- خيرات التوفيق الإلهي، ومنها الهداية؛ والرشد، والتوفيق، والسداد، والنصر، والتأييد.
هذه مقومات السعادة في الدنيا، ولأن حياة الإنسان ليست مقصورة على هذه السنوات التي نعيشها في الأرض، بل يعقبها الحياة الآخرة فقد ذهب الغزالي إلى أن هناك سعادة حقيقة منتظرة وموعودا بها من الله عز وجل، يحصل عليها الإنسان بعد الموت، نتيجة ما قدمه من أعمال صالحة في حياته التي يحياها اليوم، وذلك عندما يدخل الجنة ويتقلب في نعيمها الخالد، هذه هي السعادة الحقيقة الأبدية - في نظر الغزالي -، (بقاء بلا فناء، ولذة بلا عناء، وسرور بلا حزن، وغنى بلا فقر، وكمال بلا نقصان، وعز بلا ذل، وبالجملة كل ما يتصور أن يكون مطلوب طالب ومرغوب راغب، وذلك أبد الآباد، وعلى وجه لا تنقصه تصرم الأحقاب والآماد). دمتم سعداء الدارين الدنيا والآخرة وإلى لقاء والسلام