م. خالد إبراهيم الحجي
يمكن القول إنَّ الشرق الأوسط هو بؤرة الأزمات الدولية، والمعرّضة للحرب بشكل مزمن، وموقع أكثر النزاعات التي طال أمدها في العالم.. والعلاقة بين الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وبين السياسة التي تتأثر بالعوامل الجغرافية، وتُعرف في العلاقات الدولية باسم «الصراع الجيوسياسي» اتضح أنها علاقة قوية وثيقة، تمثّلها في أوضح صورها، صفقة «الاتفاقية النووية الإيرانية» بين إيران ومجموعة الدول «5+1» التي أُبرمت في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، ثم انسحب منها دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق لما فيها من عيوب مفضوحة.. وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، قطع جو بايدن على نفسه وعداً؛ بالانضمام إلى عموم الاتفاقيات الدولية التي انسحب منها دونالد ترامب. والتعهد الذي أطلقه بايدن بعد أن أصبح رئيساً، بالعمل مع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام التزامن المتجدِّد بالدبلوماسية، لتقوية الاتفاقيات الدولية، وتوسيع نطاقات أطر العمل بها، والانضمام لها، سيضع إدارة بايدن الجديدة في موقع الخيار، والمفاضلة، والموازنة العقلانية، بين أن تتبنى الإستراتيجية التي تُعطي الأولوية لخفض «الصراع الجيوسياسي»، وبين أن تتبنى الإستراتيجية التي تُعطي الأولوية لمتطلبات السلام في إقليم الشرق الأوسط الأكثر إلحاحًا.. وتفيد التقارير والتحاليل السياسية، المنشورة، في عهد الرئيس أوباما، على خلفية إبرام صفقة «الاتفاقية النووية الإيرانية»، إلى أن التأثير السياسي الذي استخدمته القوتان العظميان الصين وروسيا، العضوان الدائمان في مجلس الأمن الدولي، على إيران، كان له دور في دفع الولايات المتحدة إلى المضي قدماً في «الاتفاقية النووية الإيرانية» دون قيدٍ أو شرط.. ولكن السياق الجيوسياسي، في الوقت الحاضر، أصبح مختلفاً عمَّا كان عليه في عهد أوباما، وفي ظله ليس من المتوقع أن تكون لدى هاتين القوتين العظمتين الرغبة في دعم نطاق «الاتفاقية النووية الإيرانية» وتوسيعه لمعالجة العيوب المفضوحة فيها. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن يتحول أي منهما عن هذا الموقف، فمن المفترض من إدارة بايدن أن تقدم شيئاً في المقابل، بما يحقق التوافق والوئام الجيوسياسي.. وفي جميع الأحوال، حتى لو كانت الصفقة هي الحل الصحيح للمشكلة النووية الإيرانية، فمن الضروري أن يبدو أي اتفاق مختلفًا عن ما سبق، ليس فقط؛ لأن البرنامج النووي الإيراني قد تطور وأصبأكثر خطراً، وإنما لأن العديد من الافتراضات الأساسية لخطة العمل الشاملة المشتركة لمجموعة الدول (5+1) لم تعد صحيحة؛ لأنها كانت مبنية على السياق الجيوسياسي القديم، الذي أصبح مختلفاً الآن، وأخذ شكلاً آخر لم يكن عليه في السابق، ومن أبرز ملامحه الجديدة المختلفة؛ توقيع اتفاقية «إبراهيم» التي تم التوصل إليها بوساطة بين إسرائيل وبين بعض الدول العربية السُّنية، فأضافت طابعًا رسميًا على حقيقة بديهية طويلة الأمد، وإن لم يُصرِّح بها، مفادها أن الانقسام الإسرائيلي العربي لم يعد الانقسام الأساسي في المنطقة الذي يهدِّد استقرار السلام في إقليم الشرق الأوسط. بدلاً من ذلك، أصبح هناك إجماع بين الدول السُّنية، وغيرها من الدول الأخرى، على أن إيران هي مصدر الإرهاب بجميع صوره وأشكاله في الشرق الأوسط، وقد شاركتهم إسرائيل، في هذا الإجماع، باتخاذها موقفاً مطابقاً لمواقف الدول السُّنية بشأن الإرهاب الإيراني، وتتفق معهم على العيوب المفضوحة في «الاتفاقية النووية الإيرانية»، بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك؛ حيث تطالب إسرائيل باستهداف البرنامج النووي الإيراني عسكرياً، وتدميره؛ لما يشكِّل من خطر حقيقي عليها، وعلى سلامة واستقرار السلام في جميع دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الدول السُّنية، وعلى رأسها السعودية.. وهذه الديناميكية، بدورها، تحتم وضع أي اتفاق نووي إيراني في سياقٍ إقليميٍ جديد، يأخذ في الاعتبار كلاً من الدول العربية السُّنية وإسرائيل التي لم يكن لأي منها طرفًا في «الاتفاقية النووية الإيرانية»، والتي طالما نظرت إلى الأسلحة النووية الإيرانية على أنها تهديد وجودي، وتشكك في كفاءة خطة العمل الشاملة، المشتركة لمجموعة الدول (5+1) وقدرتها على وقف تطوير البرنامج الإيراني للأسلحة النووية.. ومن أهم العيوب المفضوحة في صفقة «الاتفاقية النووية الإيرانية» عملية الفصل بين البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ البالستية الذي يكمله، ويشكلان معاً توأم؛ لأن الصواريخ البالستية هي الوسيلة المحتملة لإيصال الأسلحة النووية إلى أهدافها، غير أن صفقة الاتفاقية تضمنت البرنامج النووي، بينما استبعدت برنامج الصواريخ البالستية ولم تتضمنه، وقد استمر في التقدم والتطوير حتى بعد توقيع صفقة «الاتفاقية النووية الإيرانية» التي أيضاً استبعدت من مضمونها دعم إيران للإرهاب، ورعايتها للجماعات الإرهابية؛ ولكن الإرهاب الإيراني هو بالضبط ماحتل عناوين الأخبار في الآونة الأخيرة؛ سواء كان هجومًا على ناقلات النفط في مضيق هرمز أو تزويد ميليشيات الحوثي في اليمن بالصواريخ البالستية، والمسيرات المفخخة، التي تطلقها باتجاه المنشآت المدنية في الحدود الجنوبية للمملكة، والمنشآت النفطية في عمق الأراضي السعودية..
الخلاصة:
إن الفرصة الذهبية التاريخية تطرح نفسها أمام الرئيس الأمريكي بايدن وحلفائه للعمل معاً، لإيجاد حل حقيقي شامل ودائم للإرهاب المنهجي الذي تقوم به إيران في الشرق الأوسط.