حين ألقيت نظرة على تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال لعام 2019 - 2020، وجدت تقدمًا مذهلاً للمملكة العربية السعودية، وهو إنجاز لو دل على شيء فهو يعبر عن سعي المملكة بخطوات حثيثة لتنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط لتحقيق «رؤية 2030»، تحت الرعاية النموذجية من سمو الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز.
فحين ننظر إلى النجاحات التي حققها العديد من رواد ورائدات الأعمال الشباب في السعودية خلال الفترة الماضية، مثل عبدالعزيز الجوف وإيمان عبدالشكور، نُدرك أن المملكة بحاجة إلى رؤية المزيد من تلك النماذج المُبدعة والناجحة خلال الفترة المقبلة، خاصة مع الدعم الكبير المقدم من جانب الجهات الحكومية المختلفة لتوفير مناخ من الأريحية أمام المزيد من التقدم لريادة الأعمال السعودية.
هذا بدوره يعني حقيقة واحدة، وهي أن المستقبل يستعد لريادة الأعمال كواحد من بين أهم مصادر الدخل التي ستقود اقتصاد المملكة للنمو مستقبلاً.
هنا تحديدًا يظهر دورنا كآباء وأمهات، فجزء أساسي من رسالتنا هي إعدادهم للحياة العملية المستقبلية والكيفية التي يمكنهم بها مواجهة العقبات المختلفة التي سيواجهونها فيها للوصول إلى النجاحات التي نتمنى أن نراهم يحققوها... ولأن المستقبل في السعودية يتجه لريادة الأعمال تظهر هنا أهمية قيامك باكتشاف روح «رائد الأعمال» داخل طفلك وتطوير ذلك الجانب فيه.
لكن كيف تقوم بذلك؟!
- بالثقة والاحترام:
قد «يحسد» كل الآباء الصحفية وخبيرة التربية الأمريكية «إيثر وجسكي»، فهذه المرأة نجحت بكفاءة تامة في أن تربي «مديرتين تنفيذيتين ودكتورة» وتقودهم للنجاح في مجموعة من أصعب المجالات وأكثرها تنافسية على الإطلاق.
فسوزان وجسكي هي المديرة التنفيذية لـ»يوتيوب» وتقدر ثروتها بنحو 600 مليون دولار، أما «آن» فهي أحد المؤسسين والمديرة التنفيذية لشركة «23andme» لتحليل الجينات، وتقدر ثروتها بنحو 700 مليون دولار، أما «جانيت» فهي بروفيسور بجامعة سان فرانسيسكو- كاليفورنيا وواحدة من أهم الباحثات في علم الأنثروبولوجيا وعلم الأوبئة.
حين تحكي «إيثر» عن القواعد التي أتبعتها في تنشئة مثل هؤلاء الشخصيات الناجحة، فإنها تقول «أهم احترام يجب أن نظهره لأبنائنا هو تجاه استقلاليتهم وتفردهم».
حيث تؤكد الباحثة الأمريكية أنه يجب علينا أن نظهر دائمًا الثقة والاحترام لخيارات أطفالنا في حياتهم منذ الصغر بدلًا من محاولة التحكم بها لاعتقادنا بأن ما نختاره هو الأنسب بالنسبة لهم... يساعد ذلك أطفالنا على الوصول إلى الاستقلالية في التفكير من ناحية «ما يمكنه من امتلاك الروح الإبداعية اللازمة لتطوير أفكار جذابة تسهم في حل مشكلات جوهرية للمجتمع» ومن ناحية أخرى فإنه سيتحلى بالمسؤولية في اتخاذ القرارات، ما يمنحه الشجاعة اللازمة لتحويل تلك الأفكار لمشروعات ناجحة.
- التخطيط للمستقبل:
حين ننظر إلى حياة لاعبي كرة القدم، نجد أن الكثيرين منهم قد يمتلك قدراً كبيراً من الأموال بينما هم في سن صغيرة، ولكن فشلهم في الحفاظ عليها واستثمارها بشكل سليم يؤدي إلى معاناتهم من مجموعة كبيرة من الأزمات المالية عقب الاعتزال، وتمامًا كما حدث مع رونالدينيو ومارادونا.
قد ينجح طفلك حين يكبر في تكوين مشروع ناجح، ولكن عدم امتلاكه ثقافة الادخار والاستثمار قد تؤدي به ببساطة لسوء التعامل مع الأموال التي قد يجنيها، وهو ما يؤدي بهذا المشروع إلى الفشل بشكل أو بآخر.
إذًا كيف تمنحه تلك الثقافة؟!
قد تكون الاستقلالية هي مفتاح ابنك للإبداع، ولكن لا مانع من بعض التوجيه ما جانبك فيما يتعلق بكيفية التخطيط السليم للمستقبل، ويمكن أن نستفيد في ذلك من قصة «توني هوك»، أشهر متزلج في العالم.
ففي إحدى المقالات التي قرأتها بصحيفة «US weekly» الأمريكية، يحكي «هوك»: «كنت في سن المراهقة حينما بدأت في جني الأموال (من شهرته الكبيرة بفضل كونه متزلجاً بارعاً) وظننت حينها أنني سأستمر في ذلك إلى الأبد، لكن كان لوالدي نظرة أخرى، وبالتالي شجعني على استثمار تلك الأموال في شراء منزل بدلًا من إنفاقها».
تابع «هوك»، والذي تبلغ ثروته اليوم 140 مليون دولار: «كنت ممتنًا لوالدي لأنه علمني قيمة التخطيط للمستقبل، ونتيجة لذلك، أعرف كيف أحافظ على حياتي وأستمتع بها في نفس الوقت».
قد يكون أطفالنا مُبدعين في ابتكار مشروعات ناجحة، لكن يجب منحهم ثقافة تقدير هذا المال مع الحفاظ عليه واستثماره بشكل صحيح، عن الطريق الحرص على تعليمهم «محو الأمية المالية».
- تقبل الفشل والتعلم منه:
على مدار أكثر من 20 عامًا من الخبرة في عالم البيزنس وإدارة مجموعة كبيرة من الشركات، مررت بتجارب فشل كثيرة كادت تقضي تمامًا على طموحي كرائد أعمال، ولكن في الحقيقة أنا ممتن لها في نفس الوقت لأنها مكنتني من التعلم من أخطائي وبالتالي الوصول إلى النجاح اليوم.
أعتقد أن واحدة من بين أهم المعوقات التي قد تواجه بعضًا من رواد الأعمال أصحاب الأفكار النموذجية والتي تمنعهم من تحويل تلك الأفكار إلى مشاريع ناجحة هي «الخوف الدائم من الفشل»، وهو ما أكده الباحث الأمريكي الشهير نابليون هيل أنه يسلب الإنسان إرادته، وبالتالي يقتل قدرته على المبادرة والابتكار والتخيل.
ولكن كيف تقضي على «الخوف من الفشل» لدى طفلك؟!
يرتبط الأمر في الأساس بجانبين:
الأول: تطبيق النصيحة الأولى التي ذكرتها سابقًا، عبر منح طفلك الثقة المطلوبة لاتخاذ قراراته بنفسه، مع إظهار احترامك لتلك القرارات ومحاولة توجيهها بصورة صحيحة إذا ما وجدت بها بعض النواقص «دون انتقاده بشكل سلبي».
الثاني: أن تعلم ابنك بأن الفشل لن يكون نهاية العالم وأنه طالما يتعلم من أخطائه ويواصل التطوير من نفسه ويقوم بـ»المخاطرة المحسوبة» فحتمًا سيصل إلى النجاح المطلوب.
أعتقد أن رائد الأعمال الأمريكي جيمس دايسون أكبر مثال على ذلك، فعقب أكثر من 5126 محاولة فاشلة لم ييأس وتعلم منها حتى نجح أخيرًا في اختراع أول مكنسة كهربائية بدون كيس في المحاولة رقم 5127 وهو ما قاده عقب ذلك إلى تكوين شركة «دايسون» العملاقة.
أحرص دائمًا على أن يكون طفلك رائد أعمال المستقبل مُدركًا لحقيقة واحدة: «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس» ودعه دائمًا يعد فشله نقطة البداية نحو نجاح مذهل!