حمّاد بن حامد السالمي
منذ بدء الخليقة؛ واليمن التي تقع في جنوبي الجزيرة العربية؛ ويُنسب إليها العرب عادة؛ هي عربية.. عربية إنسانًا ومكانًا. برزت منها حضارات سبئية وحميرية، فما صلتها إذن بالفُرس؛ قومية (فارس? زبانان)، تلك المجموعة الآرية التي كانت منذ نشأتها تقطن منطقة فارس التاريخية في هضبة إيران الآسيوية؛ وبينها وبين اليمن أبحر ومضائق وجبال وصحاري واسعة..؟
كانت اليمن قبل الإسلام؛ بؤرة احتكاك بين فارس والحبشة والروم، وتعرضت للاحتلال من قبل الفرس مرتين، وطردهم منها أبرهة الحبشي الذي ذهب هو الآخر إلى الجحيم، فدخل اليمن في الإسلام، وظل كذلك حتى ظهرت في النصف الأول من القرن الخامس عشر الهجري الحالي في شمالي اليمن؛ فئة طائفية تدعي أنها عربية ويمنية، وهي تحمل السلاح الفارسي، وتنفذ مشروع إيران ضد العرب، وتفتح الحسينيات بدل المساجد في أرض لم تعرفها من قبل، وتعلم صغارها اللغة الفارسية، وتتشح بالسواد، وتقيم كعبة تطوف حولها أيام الحج..! وتشن الحرب على محيطها وجوارها العربيين، وتستهدف بصواريخ وطائرات إيرانية مسيرة الكعبة المشرفة، والمسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم..!
يقول بعض المصادر التاريخية؛ إن (سيف بن ذي يزن)؛ هو من جنى على بلده حين استنجد بكسرى ليخلصه من الأحباش، فأعطاه المحكوم عليهم بالإعدام في سجونه، الذين جاءوا إلى اليمن، فهم أصل وأجداد الحوثة الفرس المستعربين في اليمن، الذين يشير إليهم المؤرخ اليمني (حمود العنسي) في دراسة تاريخية له مهمّة تقول: (إن الحوثيين أصلهم فرس ليسوا من آل البيت. مذهبهم مختلق لا أصل له. مبني على الهيام كما قال الوادعي -رحمه الله. أهل حقد على أهل اليمن خاصة والمسلمين عامة. هدفهم هدم الإسلام ونشر الرفض، ووسيلتهم إشعال الحروب، وهدم دور العبادة، وقتل العلماء والمعارضين والتجهيل. يحاولون أن ينتسبوا للرسول -صلى الله عليه وسلم- ليصبحوا من أهل البيت، وذلك من خلال ادعائهم أنهم من بني هاشم، وهذا كذب وفجور، فبنو هاشم موطنهم الحجاز وليس إيران- فارس، هم سلالة الحقد والكهانة الخراسانيين- الأئمة الهادوية الزيدية- ومؤسس السلالة يحيي حسين قاسم رس بن طباطبا الملقب زورًا بالهادي، ولد سنة 245 هجرية في قرية رس في إقليم خراسان الفارسي، وهاجر إلى اليمن مع العصابات الفارسية سنة 284 هجرية، وسميت الهجرة الفارسية الثانية. أصبحوا سادة الجمعة لاحقًا، ومكث في اليمن 18 عامًا، وقام بتأليف وتأسيس مذهب كي يسهل له الأمر ولسلالته من الخراسانيين أن يسيطروا على أهل اليمن، ويسرقوا خيراتهم باسم الدين والمذهب. أسس المذهب الهادوي، ونسبه إلى زيد بن علي رضي الله عنه زوراً وبهتانًا، والحقيقة أن زيدًا لم يختط مذهبًا إطلاقًا، والنسب لزيد هو نسب فخري فقط. قضى حياته في اليمن في حروب وفتن، وقام بتحريف العقائد بقوة السيف وباسم آل البيت).
إن الحلقة الأضعف التي كانت وما زالت تغري الفرس باستلاب اليمن مذهبيًا وسياسيًا هي الحاكميات العربية الضعيفة، التي استغلها الحوثة أصحاب الأصول والميول الفارسية عبر التاريخ، ليتسيدوا الشعب اليمني ويذلوه. يقول (أصغر قرشي) السفير الإيراني السابق في اليمن: (مع انتصار الثورة الإيرانية؛ أرسل الزيود هيئة يمنية إلى إيران، واعتبروا الإمام الخميني إمامهم، وكلمة إمام مهمة أيضًا للخميني. الشيعة الاثنا عشرية لم تكن تستخدم كلمة إمام قبل الثورة إلا للأئمة، وهذا أوجد تقاربًا سياسيًا بيننا وبين الزيدية).
بعد أن قفز الحوثيون إلى السلطة في أعقاب سقوط حكم علي عبد الله صالح؛ رأى الإيرانيون أنهم استطاعوا النفوذ إلى اليمن واختراق نسيجه الاجتماعي، وأن يضعوا نموذجًا مشابهًا لحزب الله اللبناني فيه، لكي يحقق لهم مصالحهم في جنوب الجزيرة العربية وباب المندب، ويسهم في تصدير ثورتهم والضغط على السعودية من الجنوب. فهم يعترفون بتأثير هذا في الأمن السعودي، فهذا عبد الملك الحوثي من أول ظهور إعلامي له؛ أدلى برغبته في اتباع طريق حسن نصر الله، وتسمت جماعته باسم: (أنصار الله) على غرار حزب الله..! ويقارن ساسة إيرانيون بين حزب الله وأنصار الله، ويجهرون.. بل ويفخرون بأن إيران تحتل صنعاء مثلما تحتل بغداد ودمشق وبيروت..!
إن ما يجري في اليمن اليوم من تشرذم على يد فئة باعت نفسها رخيصة لإيران؛ لهو خير دليل وشاهد على التبعية النَّسَبِية والمذهبية والسياسية للفرس، فقد سعى الحوثة إلى التقريب بين المذهب الزيدي السائد في كثير من مناطق شمالي اليمن والمذهب الشيعي الاثنا عشري، الذي تغزو به إيران الخمينية جوارها العربي. ونستطيع القول بناءً على ما تقدم من دلائل تاريخية وواقعية؛ أن الفرس لهم وجود فعلي في اليمن في عصرنا هذا، فهذا احتلال فارسي ثالث لليمن، وهذه حالة لا ترضي بكل تأكيد الشعب اليمني العربي الأصل، لا الفارسي الأصل والهوى والمذهب.
أعجبني الشاعر عبد الملك بن عواض الخديدي؛ وهو يستدعي حادثة الفيل الشهيرة في العدوان على الكعبة المشرفة في المشهد الحوثي المعاصر، الذي لا يقل جرمًا عن تلك؛ حين يوجه الحوثة صواريخ الفرس وطائراتهم المسيرة نحو الكعبة، بل ويبنون كعبة (غُلِّيسًا) معاصرة في صنعاء؛ ليطوفوا حولها، مدعين المظلومية في الحج. يقول في قصيدة أبرهة الإيراني:
طيرُ أبابيل مرّت من هنا عجبًا
لعلها لم تجد كلبًا ولا فيلا
ألقت صقورُ الهدى إبليسَ محترقًا
في شرّه حين رام الجهلُ قنديلا
إيرانُ تُلبس ثوب الحقد أبرهة
يعود متسخًا بالعهر محمولا
شراذمٌ سلمت للفرس صَعْدتها
وللكرامة دمعٌ فاض تبتيلا
يرمون فجرًا بعيدًا عن مساوئهم
وأرضُ بلقيس لا ترضى لهم قيلا
للبيت ربٌّ وللأرض الألى مهج
تفدي ثراها وتسقي السمّ مخبولا