محمد آل الشيخ
بعيد أن ضربت القاعدة في 11-9 أمريكا في الحادثة الشهيرة، اقتنص الإيرانيون فرصة الغضب الأمريكي بذكاء، وأعلن على الفور وزير دفاع إيران حينها علي شامخاني عزاءه للشعب الأمريكي، واستعداد جمهورية إيران أن تعين الأمريكيين في دك ملاذات الإرهاب في أفغانستان، وأنها على استعداد أن تفتح أجواءها للطائرات الأمريكية لتتبع عناصر القاعدة وسحقهم، وتخليص العالم من (الإرهاب).
في ذلك الوقت كانت الصحوة القميئة في أوج تألقها في العالم العربي، وكان أساطينها يتبادلون التهاني والتبريكات بتلك العملية (الجهادية) الميمونة التي سموها من باب الفخر والمباهاة (غزوة مانهاتن). وقد ساعدت قناة الجزيرة الإخوانية في قطر حينها على بث فرح واعتداد المسلمين السنة بهذه الغزوة التي أعلت شأن الجهاد بين المسلمين كما كانوا يرددون، والتي أثبتت صحة وصدق الآية الكريمة (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وطغى الفرح على أغلب الجماهير العربية التي رأوا في هذه الضربة انتقاماً من (العدو الصليبي) الخبيث كما كانوا يسمون الأمريكيين. حكومات الدول العربية نددت على استحياء، لكنها لم تستطع أن تُخفي الفرحة الشعبية العارمة التي اجتاحت كل البلدان العربية بلا استثناء.
الإيرانيون الدهاة التزموا الصمت، ولم يبدر منهم أي تصريح غير تصريح وزير الدفاع شامخاني الذي تطرقت إليه في بداية المقال. وبعد ذلك بدأت حرب الانتقام، وفعلاً فتحت إيران أجواءها للطيران الأمريكي لينطلق من قاعدة (أنجلرليك) التركية ويمر عبر الأجواء الإيرانية، ويدك أفغانستان دكاً ما زالت حتى اليوم آثاره باقية في كل أنحاء أفغانستان، ذلك البلد المنكوب الذي استولى المتأسلمون على كل أجزائه. وهذا ما جعل الرئيس الإيراني رفسنجاني يُصرح بأن الأمريكيين ما كانوا يستطيعون تنفيذ مهامهم العسكرية في أفغانستان لولا الضوء الأخضر الإيراني.
ويبدو أن الأمريكيين قد استوعبوا ما أراد لهم الإيرانيون أن يستوعبوه، إضافة إلى إن اللوبي الإيراني النافذ في دهاليز صناعة القرار في أمريكا سعى بذكاء وخبث إلى تكريس قناعة بدأت تتشكل لدى الأمريكيين، مؤداها أن الخطر على الغرب مصدره (الإرهاب السني)، أما الشيعة فهم أكثر طاعة لمرجعياتهم، وبالإمكان التفاهم معهم، مثلما ثبت ذلك خلال الغزو الأمريكي لأفغانستان.
من هنا بدأت (مؤامرة) تقليم أظافر القوى السنية، وتأهيل الشيعة ليقوموا بدور شرطي المنطقة). وأكاد أجزم أن غزو العراق وتدمير قوته العسكرية، ومن ثم تقديمه على طبق من ذهب لإيران يأتي من هذه القناعة التي يبدو أنها أصبحت من ثوابت الأمريكيين، فقد سبق لبرايمر الرئيس الأمريكي المنتدب لحكم العراق بعد سقوط صدام، أن أشار إلى أن الشيعة وليس السنة هم حلفاء الولايات المتحدة في تلك المرحلة.
الآن كل المؤشرات تقول إن الأمريكيين قد حزموا أمرهم، وقرروا تولية العدو الإيراني مهمة شرطي المنطقة، بعد أن قرروا الرحيل إلى شرق آسيا لمواجهة عدوهم الحقيقي الصين، غير أن الأمريكيين قد أغفلوا أن إيران دولة توسعية، تسعى إلى إعادة قيام الإمبراطورية الفارسية التي هدمها العرب، لذلك فهم سيستغلون كل الفرص المتاحة لتحقيق هذا الحلم، الأمر الذي يجعل من الحلف الأمريكي الإيراني الجديد، سبباً ليس لتعميم الأمن والاستقرار في المنطقة، وإنما لسكب مزيد من الزيت على الحرائق المشتعلة في كل أرجاء الشرق الأوسط، كما أثبتت وثائق كثيرة أن الإيرانيين هم المحرك الرئيس للإرهاب، فهم من احتضنوا عناصر القاعدة، وهم من يسروا السبل لقيام حرب أهلية وطائفية بين العراقيين السنة والشيعة، وهم قبل كل ذلك كله (دولة دينية كهنوتية)، لا يمكن البتة أن تتواءم مع شروط الدولة المدنية التي هي دولة العصر. أضف إلى ذلك أن الشيعة بكل مكوناتهم لا يتجاوزون 10 في المائة من تعداد المسلمين في العالم، وليس لدي أدنى شك أن اصطفاف الأمريكيين مع الإيراني من شأنه أن يذكي الإرهاب من جديد، وبخاصة أن العداء بين السنة والشيعة متجذر منذ قرون، وليس من مصلحة الغرب أن يظهر أمام المسلمين بهذا الانحياز الطائفي، لأنه قطعاً سينعكس عليه في نهاية المطاف.
ظاهرة انحياز أمريكا للإيرانيين الشيعة على حساب المسلمين السنة ستشعل حروباً إرهابية، وستجد كثيراً من أهل السنة يدعمونها، فهل يعي الأمريكيون مآلات ما هم مقبلون عليه؟
إلى اللقاء