محمد ناصر الأسمري
أكرمني الصديق الزميل د. إبراهيم عبد الرحمن التركي العمرو، بعدد من تأليفاته النثرية شعراً والشعرية نثراً. فكانت لي نزهة في رفاه عقول لها مسارات في الإنارة والتنوير.
جاء كتابه عن والده - رحمه الله - بهذا العنوان: عبد الرحمن بن علي التركي العمرو، الألفية لا الأبجدية. عنوان له دلالات فلسفية ربما تحتاج وقفات تستجلي التوريات الغائبة والمقصودة؟
قال أبو يزن في صفحة الغلاف الأخير : (إنها سيرته كما وعاها الابن، فوثَّقها لا كما رواها الأب ودققها؛ فلم يكن - رحمه الله - يتحدث عن نفسه إلا نادراً، بل حينما طلبت سيرته فنشرت، أو أجريت معه حوارات وأبرزت، فإنها لم تكن بقلمه ولم تجر على لسانه بل ناب عنه فيها ابنه بإقناع إثر امتناع، وهو أمر معتاد إذ عاش الصغير مع الكبير عقود عمره الخضراء، لكن غير المعتاد أنه لا يقرأها بعده فلا يضيف ولا يحذف، ولا يعيد ولا يستعيد، ولا يحفظها، فلم تبرأ من نقص دون ريب، كما لم تختصر مسافة التأليف، فلم يتكرر نصها اكتفاء بمظانها).
أبان الكاتب المؤلف سبب تسمية الألفية لا الأبجدية، فهو يعني انفكاك الوالد من دراسة الكتاتيب «الأبجدية» وانصرافه لطلب الرزق، ثم عودته القوية للتعليم النظامي وتخصصه في النحو وتدريسه.
ونظرة لإهداء الكاتب المؤلف إبراهيم حيث كان لأمه موضي الرعوجي، فقد كان جامعاً البر والعاطفة بكلمات غاية في اللطف وجمال السبك: (عاش الوالد في الظل، وكنت شمسه، ودرجنا في الأرض، وما زلتما سماءنا).
تجلَّت عاطفة الابن تجاه والده بكثير من النجوى والشجوى وألم الفقد، وهذا حق البنوة البارة منه وإخوته وأخواته ومشاركة أعداد من مجايلي الأب وتلامذة له ورفاق وكتبة ومثقفين.
أنا نظرت للكتاب ليس فقدًا في الرثاء، بل وجدت الكتاب سجلاً تاريخياً وتوثيقاً ليس للأسرة، بل للوطن حيث عاش الوالد في مدينة جدة، ثم حائل ثم العودة لمقر مولده في عنيزة.
أشار د. إبراهيم إلى مصاعب العيش والمعيش وشظف الحياة في النقل والانتقال من منطقة لأخرى بوسائل ووسائط نقل ليس فيها أي مسار (زفت)، ولا خرائط استدلال أو مظنة راحة ودلال، اللهم سوى تتبع مسارات تخفيها الأمطار وغيرها، رغم هذا لم يمنع الأب حرصه على نيل بنيه والحفدة والأسباط الدرس والتحصيل، حتى كان منهم نبهاء كما هو حال من ناسبه.
لقد وجدت الكتاب تاريخاً لأسر من عنيزة كانت لهم إسهامات واسعة في العمل في مناطق الوطن بشكل أوسع، وفي القصيم بشكل جميل في التنمية، وأعتز أن لي في عنيزة زملاء وأصدقاء ولم تغب عني جمالات الرفقة والاستفادة منهم.
أما د. إبراهيم فلتعرفوا من هو ؟ فقد عرَّف نفسه في ديوانه الشعري (خيمة وألف صمت) حين قال :
هل أنا ما قيل... أم أنت أنا
أأكون النبت في قفر العنا؟
أأكون البرء في درب الضنا
أأنا غير أنا
من يظن الخير منه قد بدا
وإليه المنتهى
فيغنِّي الميجنا
ويروم المنحنى
ثم يصحو
فإذا أنت أنا
وأنا ماذا أنا
أنا إيقاع الفنا
وانطفاءات السنا
وهنا فأنا مثلما قال عنوان ديوانه فقد عجزت أن ألتزم ألف صمت، لكني التزمت بما قال جورج جورداق - رحمه الله -:
تهت بين (بحار تئن فيها الرياح .. ضاع فيها المجداف والملاح).