د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** كانت المسافة بين مكتبه ومكتب رئيس التحرير بضعة أمتار حين ضمنا لقاء عابر في أول حضورٍ لصاحبكم لمبنى الجزيرة (شوال 1404هـ) طلب فيه الأستاذ محمد بن ناصر ابن عباس رئيسُ التحرير آنذاك من الأستاذ محمد الوعيل «مدير التحرير وقتها» ضمَّ «الضيف» إلى قائمة كُتَّاب (هوامش صحفية)، ويجزم أن الدهشة علت محيَّا «أبي نايف»؛ فمن هذا « العشرينيُّ» الذي لا يعرفُه ولم يسمعْ به ولم يخطَّ حرفًا في صحيفة يُعطى مساحةً خاصة بالكبار، لكن أدبَه الجمّ جعله يردد كلمته التي لا تغادرُه: ( سمّ ) واكتفى بطلب صورة شخصية من صاحبكم وبعثِ الزاوية مرةً كلَّ أسبوعيْن، إذ لها جدولٌ منتظمٌ يعتمدُه رئيس التحرير.
** التزم بعدما أُلزم وبعث مقاله الأول: «في الصحراء ولا نرتحل» وتبعه الثاني وربما الثالث عندما هاتفه الأستاذ الوعيل طالبًا منه زيارته في مكتبه، وعندها أبلغه أن وضع القسم الثقافي في الصحيفة بحاجةٍ إلى إعادة تنظيم، ولم يكن أبو نايف دقيقًا لكن مهنيته منعته من كشف السبب، وهو بعدُ أو إبعادُ معظم المحررين الثقافيين بمن فيهم رئيسُهم ووجودُ فراغٍ في القسم، وكانوا أسماءً متميزةً ذوي حضورٍ بارز.
** طلب منه الموافقة على رئاسة القسم فاعتذر صاحبكم فورًا وبحزم، ولم يعدم أبو نايف سبيله للإقناع حين أكد له أنه تكليف مؤقت بشهر لن يزيد، ولا تحتاج القصة إلى بقية؛ فأستاذنا محمد الوعيل يحملُ وزرَ «شهرٍ امتدَّ عمرًا»؛ وكذا لا نشاءُ إلا ما يشاءُ سبحانه، وستكتمل الحكاية عند الحديث عن أستاذنا الكبير خالد المالك، لكن أوانَه لم يحنْ بعد.
** اقترن اسم الوعيل بصفحات «ضيف الجزيرة» التي أعدّها على مدى عقود، ومثّلت إضافةً معرفيةً وتأريخيةً ومجتمعيةً، وكان الجمعُ القارئُ ينتظرها كلَّ جمعة ليرتوي ويَروي، ومن لم يعش زمنها ففي سلسلة « شهود هذا العصر» جمعٌ وتوثيقٌ لها.
** حلم أبو نايف يومًا أن يكون خطاطًا فصار مخططًا، وانتقل في مسيرته الصحفية فارتقى وأرقى، وظلَّ متواضعًا هادئًا حييًّا خفيض الصوت منجزًا، ومن مارس الفعل الصحفي يدرك أن الجمع بين العمل الإعلامي وهذه السمات كالجمع بين الماء والنار أو الجّدِ والفهم في نظرية المتنبي، وكان «ديموقراطيًا» مؤمنًا بالتشاور، وعندما أرادت الصحيفة تجربة الطباعة الملونة جمع مسؤولي التحرير في مكتبه لاستشارتهم، وإذ اختلفوا طلب التصويت فانتصر المشرقون بألوانِ الشعر والمشاعر، المقتنعون أن في الحياة ما يتخطى «الأبيض والأسود».
** امتاز الوعيل بطيبته ولطفه وجميل تعامله ونأيه عن الضجيج، كما تأتلق في نفسه روح الدعابة فتجيءُ تعليقاتُه لاذعةً مبتسمة، ولأنه شاهدُ نصف قرن في الإعلام ومع الأَعلام فهو خازنُ أسرارٍ ومَنفذ أسوار، ولو كتب سيرته فستكون زاهيةً بصفاء نفسه، وقد يعكسُ للقراء مجتمعًا إعلاميًّا مثاليًا، وهيهات.
** الذِّكرُ صناعةٌ ذاتية.