حسن اليمني
يتم تقييم المجتمعات البشرية بناء على درجة وعيها والمسافة بين هذا وبين السلوك الحياتي للوصول إلى قياس مدى التناغم أو التناقض الذي على ضوئه يمكن وضع الدرجة النسبية لهذا التقييم.
القراءة التحليلية للإيدلوجيا الفكرية ليست بالأمر السهل لكنها أيضاً ليست بالمستحيلة، فمن خلال التقسيم الهندسي لمنطق الحكم على الأشياء إن صواب أو خطأ أو بين بين يمكن أيضاً تقسيم الفكر إلى يمين ووسط ويسار، وبالجبر الرياضي يقسم المقسم بنفس التقسيم إلى ذات التقسيم الثلاثي إلى ما لا نهاية، بمعنى يمين اليمين ووسط اليمين ويسار اليمين أو يمين الوسط ووسط الوسط ويسار الوسط أو يمين اليسار ووسط اليسار ويسار اليسار، وأيضا يتم تقسيم هذا المقسم إلى ذات التقسيم وهكذا إلى أن يمكننا أن نصل إلى أكثر النتائج دقة في التحديد والتشخيص. مراكز البحث الاستقصائي متوافرة في كثير من الدول لقياس اتجاه الفكر والميول لهذه المجتمعات لكن تختلف جودة نتاج هذه المراكز على حسب درجات استقلالها وحيادتها، وظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي الإلكترونية قدم هذه الاستقلالية والحيادية بشكل ابداعي غير مسبوق، وبرغم قدرة النظم الحاكمة في متابعة ومراقبة بل التحكم بشكل ما في إدارة وتوجيه مسار هذه التطبيقات ونوعية ومدى هذه المتابعة والمراقبة والتحكم إلا أن هذا لا ينتقص من قدرتها وأحقيتها المستحقة في الحياد والاستقلال في إظهار النتائج الصحيحة لفحوى ما يدور في عقول الناس في هذا المجتمع أو ذاك ومدى جودته متى نزعنا عنه راديكالية المتابعة والمراقبة والتحكم.
في الآونة الأخيرة خرج تطبيق تحت مسمى (CLUBHOUSE) ليتيح نافذة صوتية للتجمع المتجانس والمختلف دون أي «بروتوكولات» ضبطية أو توجيهية بسعة الفضاء للحرية لنشر ما يدور في أذهان الناس جيد وردئ وطرحه ونقاشه والتحاور في كل شاردة ذهنية مهما كان مستواها وقربها أو بعدها من الأهمية بلا إطار حدودي يتحكم به، هذا التطبيق يختلف عن التطبيقات الإلكترونية الأخرى من حيث إنه يظهر فلتات لسان المشترك بدلاً من استخدام الحروف السهل التحكم بها وصياغتها من خلال الارتداد للعقل ومحاذيره وقواعد ضبطية محيطه أي أنه يعطي مخارج ما يدور في العقل بشكل مباشر وآني ليكون أكثر صدقية في الترجمة للفكر والهواجس المطروحة للجدل أو النقاش.
أي نعم تستطيع النظم الحاكمة معرفة ما يدور في ذهنية مجتمعاتها من خلال أجهزتها المراقبة والمتابعة لكنها أبدا لن تصل إلى جودة الدرجة من النجاح الذي يمكن لمثل هذا التطبيق أن يقدمه ويعطيه للفاحص والدارس الباحث عن كشف المستوى بالدرجة النسبية الأدق لذهنية الفكر في أفراد المجتمع ومدى تناسبه ودرجة التقييم للسلوك العام، ومن نافلة القول إن الفكر والسلوك هما أرضية التقدم والتطور لأي مجتمع، بل إن معرفة درجة ومستوى الفكر والسلوك ومسافة التناسب بينهما تقدم الخطة السليمة والأقرب للصحة في بناء الاستراتيجيات المستقبلية لترقية وتطوير المجتمع أو الشعب.
كأي مستخدم فضولي تابعت مستمعاً كثيراً من غرف الجدل والنقاش، ولعلي كوّنت انطباعاً أولياً عشوائياً بمعنى دون نية التقييم ودراسة وبحث مفرزاته، انطباعاً لم يكن جيداً ولم يرض فضولي وتطلعي للوصول إلى درجة تقييم مبدئية لمدى الفكر والسلوك ونسبة تقاربهما، في الغالب هي نقاشات تنحى للنخبوية والمثالية أو تنزوي نحو الهزلية السمجة أو تتجه نحو الشهوانية والغرائز مبطنة تحت ستار التمثل المزيف في السلوك المتصنع بدرجات متفاوتة، لكني في يقيني أدرك أن هذا انطباع عن حالة مقيدة تتلمس الممكن في جانب وتهرب من الواقع في جانب آخر.