يصادف يوم السبت 20 مارس 2021م الذكرى الخامسة والستين التي يستحضر من خلالها التونسيون والتونسيات أمجاد أبطال أشاوس وشهداء بذلوا حياتهم في سبيل الذود عن الوطن وإعلاء لرايته خفاقة بين الأمم، هي مناسبة يقف لها أبناؤنا وبناتنا إجلالا وإكبارا للاعتراف بالجميل لجيل من الوطنيين، خطّوا بنضالاتهم ودمائهم صفحات ناصعة من التاريخ التزاما منهم بواجبهم المقدس في دحر الاستعمار وبناء دولة الاستقلال.
إن تونس اليوم وهي على درب استكمال مؤسساتها الوطنية، تعمل جاهدة على تحقيق تطلّعات شعبها نحو الارتقاء إلى مصاف الدول المتقدمة، وترسيخ أركان الدولة العادلة التي تسوس مواطنيها على قدم المساواة وبما يضمن الحرية والحق في العيش الكريم لجميع مكونات المجتمع، استكمالا وتحقيقا لما قام الشعب التونسي من أجله منذ إحدى عشرة سنة.
من هذا المنطلق، وإن كانت تونس تعوّل بدرجة أولى على إمكاناتها الذاتية في خوض معركتها التنموية، والنهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، إلا أنها وفي ذات الوقت، تثمّن عاليا وقوف المملكة العربية السعودية الشقيقة إلى جانبها في هذه المرحلة الفارقة من تاريخها، ومرافقتها لها في مسيرة الإصلاحات والإنجازات العديدة في مختلف المجالات، وهو أمر ليس بعزيز أو جديد عن القيادة الحكيمة للمملكة. فقد عرفت مراحل بناء دولة الاستقلال وقوف رجال بررة، آنذاك، إلى جانب تونس عاهدوها على الدعم والمساندة، ودائما ما نستذكر في هذا السياق اللقاء التاريخي الذي جمع الزعيم الحبيب بورقيبة -أول رئيس للجمهورية التونسية- بالملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيّب الله ثراهما، والذي شكّل اللبنة الأولى لعلاقات سعودية - تونسية متجذّرة واستراتيجية تمتد لأكثر من سبعين سنة، قوامها الاحترام المتبادل وتطابق الرؤى في أغلب قضايا أمّتينا العربية والإسلامية، التي حرصت تونس بمناسبة ترؤّسها لمجلس الأمن في شهر يناير 2021م على الدفاع عنها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تحظى بالأولوية المطلقة من لدن سيادة رئيس الجمهورية التونسية الأستاذ قيس سعيّد، حيث يعتبرها قضيته الشخصية، وبما يكرس مقاربة تونس الشاملة لمسألة حفظ السلم والأمن الدوليين.
وقد عرفت العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة نسقا تصاعديا ملحوظا من خلال تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين في البلدين الشقيقين. حيث تعود بنا الذاكرة إلى الزيارة الكريمة والتاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود «حفظه الله» إلى تونس خلال شهر مارس 2019م، واستقبال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود «حفظه الله» ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع خلال شهر نوفمبر 2018م بتونس، علاوة على الزيارة التي أداها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، رحمه الله، إلى المملكة الشقيقة خلال شهر ديسمبر 2015م. وقد مثلت هذه الزيارات قيمة مضافة على درب تعزيز عرى الأخوّة الوطيدة بين البلدين وصفحة مشرقة من صفحاتها الضاربة في عمق التاريخ والمتأصلة في وشائج القربى بين الشعبين الشقيقين، وكذلك الدعوة الكريمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى أخيه سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيّد، لزيارة بلده الثاني المملكة العربية السعودية الشقيقة. وهو ما يعكس حرص القيادتين على تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين بما يكفل المزيد من توطيد العلاقات الأخوية بينهما، والتي تأكدت خاصة من خلال التواصل المباشر بين قائدي البلدين على إثر انتشار جائحة كوفيد 19، حيث أجرى سيادة رئيس الجمهورية اتصالاً هاتفيًا جمعه بأخيه خادم الحرمين الشريفين، تطرق خلاله إلى العلاقات العريقة والمتميزة بين البلدين الشقيقين، بالإضافة إلى المبادرة التي تقدمت بها تونس إلى الأمم المتحدة والهادفة إلى انتهاج مقاربة مختلفة لمعالجة الوضع الصحي المستجد، تم اعتمادها لاحقا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2532.
كما لا يفوتنا في هذه الذكرى الخالدة، التنويه بما تقوم به جاليتا البلدين في مد جسور التواصل بين الشعبين الشقيقين، وما تبذله جاليتنا العزيزة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة في هذا المجال، ونخص بالذكر كفاءاتنا وإطاراتنا التي تعمل دوما على تشريف تونس في مختلف المواقع وفي شتى الميادين.
ولا مراء أن العلاقات الثنائية تعزّزت ولله الحمد ببعث آليات تحكم علاقات التعاون بين البلدين، كاللجنة المشتركة ولجنة المتابعة والتشاور السياسي ومجلس رجال الأعمال المشترك، وهو ما مكن من وضع إطار قانوني ثري يتجاوز 50 وثيقة قانونية تغطي أغلب مجالات التعاون. وقد تحصلت تونس في إطار هذا التعاون من شقيقتها المملكة العربية السعودية على عدة قروض ميسرة ومنح لإنجاز عدة مشاريع، من بينها إنشاء وتجهيز المستشفى الجامعي؛ الملك سلمان بن عبد العزيز بالقيروان، بالإضافة إلى منح لترميم جامع عقبة بن نافع والمدينة العتيقة بالقيروان، وترميم جامع الزيتونة والمدينة العتيقة بتونس العاصمة. فضلا عن التعاون المالي مع الصندوق السعودي للتنمية الذي انطلق منذ سنة 1975م.
وفي مجال الاستثمار تعد المملكة العربية السعودية الشقيقة ثالث مستثمر عربي في تونس، لا سيما في قطاعي السياحة والفندقة. وبهدف فتح أبواب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تم إصدار قانون جديد للاستثمار في تونس خلال سنة 2016م، تضمن العديد من الإجراءات التي تكرّس عدة مبادئ من بينها مبدأ حرية تحويل الأموال بالعملة الأجنبية إلى الخارج بالنسبة للمستثمر الأجنبي، وضبط آجال إسناد التراخيص، إلى جانب مراجعة كراسات الشروط وتبسيط الإجراءات الإدارية لفائدة المستثمر.
كما يضمن هذا القانون الجديد مبدأ المساواة في المعاملة بين المستثمر الأجنبي والمستثمر التونسي في الحقوق والواجبات المتعلقة بالاستثمار عندما يكونان في وضعيات قانونية مماثلة، علاوة على حماية المستثمر من المخاطر غير التجارية واحترام الملكية الصناعية والفكرية، مع تقديم هذا القانون لعدّة حوافز مالية وجبائية لفائدة المستثمر.
أما في مجال التعاون التجاري، فإن التبادل في هذا القطاع يندرج ضمن إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي تنص على تحرير كافة السلع المتبادلة بين الدول العربية. وتأمل تونس في توسيع المبادلات التجارية مع المملكة العربية السعودية الشقيقة. إن آفاق التعاون ولله الحمد واسعة بين البلدين الشقيقين. والجمهورية التونسية عاقدة العزم على مزيد تطوير العلاقات الأخوية في شتى المجالات وبما يستجيب لتطلعات الشعبين الشقيقين.
** **
هشام الفوراتي - سفير الجمهورية التونسية بالرياض