د. محمد بن صقر
لماذا يتم الانتقاد؟ وما الدافع لعملية الانتقاد؟ وهل الانتقاد مهنة عبثية أم مهنة إصلاحية؟ هذه التساؤلات يجب التفكر والتفكير فيها قبل الإجابة عليها بشكل سريع وسطحي، لأن المجتمعات جُبلت على إبداء الرأي بالانتقاد الكلي أو الثناء الكلي، وأصبح الانتقاد وظيفة يحق لصاحبها أما تدمير فكرة قد يكون لها مستقبل مشرق، أو تقديم فكرة تعيد عجلة الزمن إلى الوراء، لأنه لا يعرف سواها. ونحن في طرحنا هذا لا نقصد فيه الرفض للانتقاد أو للثناء على وجه العموم، وإنما أن لا يكون الانتقاد هواية ومتعة لكثير من الأشخاص بسبب عدم الثقة بالنفس والمحاولة المستمرة لإثبات وجودهم بهذه الطريقة، فالكثير من النقاد يسعون بشكل متكرر لتصيد الأخطاء لأي موضوع بغض النظر عن أهدافه، وذلك من أجل توجيه الأنظار لأنفسهم لأنهم قد يشعرون من دواخلهم بأنهم أشخاص سلبيون أو غير جديرين بتقديم شيء ينفع مجتمعاتهم، فالانتقاد لديهم أشبه بإرسال الأسهم في السماء لإثبات توجودهم وأماكن وجودهم, فعندما تأخذ جولة في وسائل التواصل الاجتماعي تجد أصحاب المشارط في الانتقاد نشيطين ومتفاعلين ومتباهين بالانتقاد، لأن ضالتهم هي الشهرة وأبخس الأثمان. ولعلنا في هذا السياق نسوق حديثاً للمفكر العربي محمد الجابري عندما تم سؤاله بأن هناك أحد الكتاب الذي يسعى بشكل متكرر لانتقاد أطروحاتك وأفكارك في كثير من المحافل وفي كل مناسبة، فكان مضمون جوابه أنه سيسعى لتقديم ما يؤمن به من أفكار وأطروحات لجماهيره التي تنتظر ما يقدمه من علم ومعرفة، أما هذا الكاتب فسوف يضيع وقته في شيء لن يذكره التاريخ ولا الجمهور، هذه حكمة يجب أن يعيها من يحمل أذن واعية من المنتقدين أن بعض النقاد في وقتنا الحاضر يحاولون الانتصار لأنفسهم وهم بدون أهداف سامية يسعون لتحقيقها، فسعيهم نحو الانتقاد من أجل الانتقاد وليس الانتقاد من أجل الإصلاح أو التوجيه للطريق الصحيح لأنهم يعلمون أن الافكار أو الأطروحات العلمية أو الابتكارات أو المبادرات أو الخطط لن تكون كاملة وسالمة من العيوب بأي حال من الأحوال، ولأجل ذلك تجد الانتقاد ومن يحمل همه وفكره نشيط وذو قلم سيال في قدح كل من يخالفه الرأي أو التوجه، فهو صاحب نظرية فرعونية في الرأي والطرح, وقد يكون هذا جزءًا مما يدور في فكر المنتقد أو الناقد العبثي، أما الناقد الإصلاحي والذي يحمل في طيات أفكاره تصحيح القضايا والمسائل وبناء الأفكار ذات الإطار المنطقيفهو يحاول الإصلاح بتقديم الحلول وتشخيص الأخطاء، ليس من أجل الوقف عليها وإنما لتحويلها إلى مشاريع تخدم المجتمع، إن الناقد الإصلاحي يتبع إستراتيجية قرآنية عملية تتمثل بخطوات محددة هي أولاً: أن الرأي والانتقاد قائم على معرفة وخبرة ودراية بالموضوع بكل جوانبة، فلا يمكن أن يعطيك الناقد رأيًا مقصورًا على وجهة نظراً قاصرة لا تعي الحقيقة والصورة بشكل كامل، ثانياً: أن لا يكون هدفه في طرحه هو مخالفة الناس أو حصر الانتقاد عليهم بغض النظر عما يقدمون وإثبات المعرفة، وأنه أفهم، وأن يكون هدفه الانتصار لذاته بدل الانتصار للحقيقة. ثالثًا: أن لا يقتصر عمله على الانتقاد والنظر في العيوب والحكم الكلي على الأمور والمسائل بل لابد أن يصحب هذا الرأي مشروع إصلاحي وفكر تطوير لمخالفة ما يعتقد أنه خطأ مبني على البراهين أو التجارب أو الخبرة. رابعاً: أن يؤمن أن أفكاره وأطروحاته قابلة للنقد والتغيير والتطوير، فمعروف أنه ليس هناك عمل مكتمل وأن الحقيقية ليست حبيسة عقل وإنما تدور في فلك العقول والمفكرين.