د.صالح بن عطية الحارثي
التعويض عمومًا وعن الأخطاء الطبية خصوصًا، مشروع بالكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والنظام.
أما الكتاب، فآيات منها: قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فقد تضمنت الآيتان التعويض الناجم عن الضرر، وبينت أنه حكم شرعي معتبر.
ومنها -قوله تعالى-: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
وقوله -جل وعلا-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}، وقوله -عز وجل-: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}.
فالآيات المباركات دلت على مشروعية مجازاة المسيء، وأنه محل للعقوبة والجزاء بجنايته، وهذا الحكم يعم كل مسيء ومعتد على غيره، لا يختص به مسيء دون مسيء آخر. «قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) عموم متفق عليه». قال القرطبي: «فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك، ومن شتمك فرد عليه مثل قوله، ومن أخذ عرضك فخذ عرضه، لا تتعدى إلى أبويه ولا إلى ابنه أو قريبه، وليس لك أن تكذب عليه وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية».
وكلها عمومات، وخطأ الطبيب مشمول بها.
ومن السنة: أحاديث منها: حديث: «لا ضرر ولا ضرار». وحديث: «من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن». قال الخطابي: «لا أعلم خلافًا في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا أو عملاً لا يعرفه متعدٍ، فإذا تولد من فعله التلفُ ضمن الدية وسقط عنه القَوَد؛ لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض».
ومن الإجماع: قال ابن عبدالبر: «أجمع العلماء على أن المداوي إذا تعدى ما أمر به ضمن ما أتلف بتعديه ذلك».
ومن العقل: أن الطبيب يضمنُ سرايةَ ما تسبب فيه من جراحة أخطأ أو تعدى فيها ما أُمر به، كما يضمن الجاني المتعدي سرايةَ جنايته وخطئه، والجامع بينهما هو التعدي عن المحل المحدد، دون وجه حق؛ فلصنعة الطب حدود، وليس للطبيب أن يزيد على القدر المأذون فيه صناعةً وإذنًا من الشرع ومن المريض أو وليِّه، أو ينقص عنه نقصًا يضر بالمريض؛ لأن فعله -والحالة هذه- فعل محرم؛ فقِيس الطبيب المخطئ على الجاني بجناية خطأ. فخطأ الطبيب في حكم جناية الخطأ دون فرق.
ونصت المادة (27) من نظام مزاولة المهن الصحية على أن: «كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي، وترتب عليه ضرر للمريض؛ يلتزم من ارتكبه بالتعويض».