د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في فترةٍ زهت اعتنى رموز الثقافة العربية في مصر بإعادة كتابة التأريخ الإسلامي وفق اتفاقٍ بين بعضهم، واجتهادٍ من غيرهم، كما صنع أحمد أمين 1886- 1954م في «فجر الإسلام وضحاه وظهرِه ويومِه»، وطه حسين 1889- 1973م في «على هامش السيرة والفتنة الكبرى والوعد الحق»، والعقاد 1889- 1964م في «العبقريات»، ومحمد حسين هيكل 1888- 1956م في «حياة محمد»، وآخرون لم يُعرفوا باتجاههم الإسلامي على تفاوتٍ بينهم، وصدر معظمُها قبل قرابة قرن، أي في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي حيث لم تنبت الصحوة ولم تطغَ الحداثة.
** ألَّفُوا بحريةٍ مطلقة وقت أن اتكأ التصنيف على الجدل الأزلي بين القديم والجديد فلم يتجاوزْه، ثم «خلفَ من بعدهم» مَن صنّف وصنّم وأدلج وبرمج وألبس ولبّس، ومن قاس المسافات بشهادات الميلاد في مماهاةٍ طريفة للتقسيمات الفكرية، لا تتطلبُ فتح مساربَ للحوار والشجار إذ سرعان ما يخبو أُوارُها حين ينتقل «الجدد» ليكونوا «قدماء»، ويصبح «المجددون مجترين». (لمارون عبود 1886- 1962م كتابان: جددٌ وقدماء، ومجددون ومجترون).
** خفَتَ صوتُ التبادلية الثقافية بين المختلفين؛ فلم يُعنَ الحداثيون ومَن بعدهم بدراسات التراث والتراثيين، وهؤلاء بأولئك إلا من باب «الانتقاء والانتقاد»، واتسعت المسافة بين عامة الفريقين وخاصتهم، وكان الثراءُ أكبر لو استلهم الجميع تجربة رواد الثقافة في مصر قديمًا، وحوارات مفكري المغرب حديثًا حيث يتجاور اختلافهم، وقد يتحوّر في مسلكٍ تقاربي، وإن يكن غيرَ مقصود، كما صنع عبدالله العروي 1933م في «السنة والإصلاح»، وحسن أوريد 1962م في «رواء مكة»، ومن غير أن يغضب محبو الجابري 1935- 2010م من محبي طه عبدالرحمن 1944م، والعكس. والحُسبانُ أنهم تخطَّوا مأزق الشِّقاق، أو كذا بدَوْا لنا.
** جنى افتقاد المشروعات الثقافية على تكوين أجيالٍ ضلّت ثللٌ منهم في متاهات الجدل والدجل، وربما عاد بعضهم فالتقوا بوعيهم ثانيةً وتبرؤوا من التصنيف والتصنيم. ولعل المنابرَ المتجددة تستعيدُ العقل الغارق في التضاد والاستعداء وردود الفعل الملتهبة، وقد تنضج الفكرة لو استطاع المعنيُّون بدراسات «العقل والنقل» من «السلفيين والأشاعرة والماتريدية والمتصوفة والمعتزلة» ونحوهم تقديمَ قراءاتٍ مشابهة لما قام به رموز الثقافة في التأريخ لتجسير المواقف بينهم فيما يخص النصوص المقدسةَ تحديدًا.
** الحديث هنا لا يتمثلُ بمن ليست لهم درايةٌ كافيةٌ بمُحكمِ القرآن ومتشابهه وناسخه ومنسوخه «...»، ولا بمن حاولوا احتكار فهمه وإفهامه، ولا بمن وقفوا في محطة التقليد، بل بأئمةٍ أجلاءَ؛ فقد ردَّ الإمام ابن القيم 691- 751هـ/ 1292- 1350م/ على أعلام مثل «قتادة وعكرمة ومجاهد» حين فسروا «المُوريات» في سورة «العاديات» بالخيل، أو بالألسنة، أو بأفكار الرجال، وقال إنها «غلط» إن أُريد أن اللفظ دلَّ عليها وأنها هي المراد (اختلاف السلف في التفسير بين التنظير والتطبيق - محمد صالح محمد سليمان ص 95). ولا نسألُ فوق هذا.
** الإشاراتُ تكفي.