علي الخزيم
يتحدثون عمَّا أسموه بيوم الأم ويوم المرأة المتقاربين بالزمن؛ وكأنهم يرسلون إشارة لأمهاتهم ونسائهم بأنهم يتكرَّمون عليهن باستذكارهن مرة في العام بترديد عبارات محفوظة تُرسل عبر الهاتف المحمول، أو برفقة باقة ورد يطلبونها من محل الورود يتولى إرسالها لنبع الحنان بعد دعمها بعبارات لطيفة مناسبة، نعم هذا يحدث ويتأكد من قصص يرويها أصحابها كرئيس جمهورية ثري رحل عن الدنيا كان بلقاء متلفز حين سأله المذيع عن علاقته بوالدته المقيمة بمدينة أخرى وأثرها في نجاحه؟ قال: مع الأسف بسبب مشاغلي لم أرها من 12 سنة! كما يتشدق البعض بمفاهيمه عن يوم المرأة عبر تدوينات وسائل التواصل الاجتماعي غير أنهم ربما ناقضوا أنفسهم بمواقف وتصرفات يومية تجاه نساء الأسرة والمرأة عموماً، تقول سيدة إن زوجها يبث مقاطع مصورة عبر جواله تُظِهره يُقطِّع البصل ويطبخ ويغسل الصحون لأصحابه بالمكشات وهي الرحلة البرية أو التخييم، وحين داعبته بعد عودته بقولها: ألا تساعدني في المطبخ؟! قال: (إن ذلك من خوارم مروءة الرَّجُل)! ويماثل هذا من يُلقي محاضرة أو خطبة أو يكتب مقالة عن فضل بر الوالدين وهو لم يرافقها لمسجد الحي القريب لتراويح رمضان ولو لمرة واحدة لأن العيب عنده أن يمشي مع امرأة، كما أنها قد تعاني من ضيق ذات اليد وهو مما وسع الله عليه رزقه، وهو أيضاً من يحفظ قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إلى نهاية الآية 23 الإسراء، فكلما تَمعَّنا بمعان ومدلولات المفردات في الآية ومجملها نتيقن عظم حق الأم وفضلها وأن برها واجب علينا مدى الحياة ولا يُمثِّله يوم باحتفالية رمزية تنتهي بوردة وهدية، ويرمز لهذا الشاعر الإماراتي كريم معتوق بقوله:
(والأمُ مدرسةٌ قالوا وقلتُ بها
كل المدارسِ ساحاتٌ لها تقفُ)
فحين تكون (الطاعة) تنفيذاً لأوامر الوالدين وتوجيهاتهما؛ فإن (البِر) شيء مختلف إذ إنه المبادرة بما يُعد براً بهما ويلبِّي رغباتهما وتطلعاتهما قبل أن يُفصحوا عنها أو يُلمُّحوا بها، فهنيئاً لمن نال هذا المقام، وكما جاء الحث على الاهتمام بالأم يكون كذلك لما بين يديك من نسائك؛ زوجة وأختاً وغيرهما، ويؤيد هذا ما رواه ابن حبّان بصحيحه ورواه الترمذي: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً وخياركم خياركم لنسائهم)، ويعظم حق الأم والمرأة عموماً كلما كنا على دراية واطلاع على سيرة أعظم نساء العرب والمسلمين قبل الإسلام وبعده، تأملنا بجهود نسائنا اليوم ومشاركتهن المشهودة بكل مناحي الحياة ومساهمتها بفكرها وخبراتها بالتوازي مع تحملها لأعباء منزلية وأسرية لا تُقصِّر بحقها، وحين يكون يوم المرأة العالمي نتاج حراك نسوي عُمّالي غربي أشعل فكرة حق المرأة عندهم، فإننا - ولله الحمد - ببلاد العرب والمسلمين نعرف ونؤمن بهذه الحقوق منذ الأزل، وإن حدثت حوادث فردية أو لظروف طارئة على أفراد لم يحتملوا الموقف فهي استثناء من قاعدة عامة عند العرب بتقديرهم وحفظهم لحقوق المرأة بكل مراحل حياتها وموقعها بالأسرة والمجتمع.