د.بكري معتوق عساس
العالم ما كان له أن يبلغ هذه المراحل العلمية المتقدمة، لولا اعتماد العنصر البشري على الملاحظة والبحث والاستقراء ثم الاستنتاج، مستفيداً مما أعطاه الله سبحانه من طاقات عقلية مكنته من التأمل والتدبر، لذلك أولت الأمم البحث العلمي الاهتمام البالغ. نشأت من أجل ذلك مجلات علمية متخصصة برز بعضها بروزاً واضحاً وأصبحت كثيرة الاستشهاد والطريق للترقية وحصد الجوائز العالمية كنوبل وجائزة الملك فيصل العالمية للعلماء الذين يقومون بنشر أبحاثهم فيها، من هذه المجلات الطبيعة والعلوم والمشرط وغيرها.
مع هذه المكانة والشهرة فلم تسلم هذه المجلات من بعض الأخطاء التي تعد من قبيل النادرة أو الطريفة، منها:
1 - العالمان بول ولوتربر (أمريكي) وزميله بيترمانسفيلد (البريطاني) قدما بحثاً مشتركاً لنشره في مجلة الطبيعة العالية الاستشهاد بعنوان: «الرنين المغنطيسي في التشخيص أو ما يعرف (MRI)»، لكنه لم يحظ بالقبول بحجة ضعفه. تم نشره بعد ثماني عشرة سنة في مجلة أخرى ونال بموجبه العالمان جائزة نوبل في عام 2003م، وشكل البحث أحد أهم الوسائل المتقدمة التي تتيح النظر إلى داخل جسم الإنسان الحي.
2 - العالمان واتسون وكريرك (بريطانيان) قدما بحثاً مشتركاً لمجلة الطبيعة الشهيرة، يتكلم عن الصبغة الجينية أو ما يعرف ((DNA، وكان أول بحث في هذا الحقل، والغريب أنه تم رفض نشره، بل بلغ الأمر أن البحث لم يرسل حتى للمراجعة. احتج العالمان لدرجة أن الأمر أصبح قضية رأي عام. تم نشر البحث نفسه في مجلة أخرى وحصلا بموجبه على جائزة نوبل عام 1962م، وكان من أشهر أبحاث القرن الميلادي الماضي الذي ساعد في معرفة السبب في حدوث الكثير من الأمراض.
3 - مجلة المشرط من أهم المجلات الطبية، حدث ذات مرة أن الطبيب أندرو ويكفيلد (بريطاني) أن زور بحثاً عن العلاقة بين التطعيم الثلاثي ((MMR، ومرض التوحد عند الأطفال مما حدا ببعض الباحثين إلى وصفها (الكذبة الطبية الأكثر دماراً منذ مئة عام)، الغريب أن هذا البحث تم نشره في هذه المجلة العالية الاستشهاد.
حدث كل هذا في مجلات تعد من أرقى أوعية النشر العلمي وأقواها في العالم، بل إن فرصة النشر فيها تعد فوزاً كبيراً؛ إذ لا ينشر فيها إلا بمعدل بحث واحد لكل ألف طلب نشر.
لعل هذا يبعث الأمل عند الباحثين، ويكون دافعاً لهم لعدم الاستسلام والمحاولة أكثر من مرة.