واس - جدة:
عقدت الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، عبر الاتصال المرئي، ندوة فقهية طبية لبيان حكم الشرع في أخذ اللقاحات المتاحة ضد «كوفيد- 19»، وبيان حكم شراء اللقاحات المتاحة ضد «كوفيد- 19» من أموال الزكاة، وتمويل توزيعها من أموال الزكاة، وذلك بناءً على استفسار من الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية.
وفي بداية الندوة رحب عضو هيئة كبار العلماء، رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، بأصحاب السماحة والفضيلة، وشكرهم على تلبيتهم دعوة الأمانة العامة للمجمع للمشاركة في الندوة الفقهية.
ثم استعرض الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور قطب مصطفى سانو، مضمون الاستفسارين اللذين وردا إلى الأمانة العامة للمجمع من الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، ومفادهما حكم الشرع في أخذ اللقاحات المتاحة للتطعيم ضد «كوفيد- 19»، وحكم شراء اللقاحات المتاحة ضد «كوفيد- 19» من أموال الزكاة، وتمويل توزيعها على الفقراء.
واستمعت الندوة الفقهية إلى عرض مفصل من الأطباء المشاركين وتوضيحات مهمة حول أهم المواد التي تتكون منها اللقاحات المتاحة ضد «كوفيد- 19» في العصر الراهن من الناحية الطبية، ثم استمعت الندوة إلى مداخلات الفقهاء المشاركين حول الاستفسارَين.
وبعد النظر فيها خلُصت إلى أن أهل الاختصاص بعلم الأدوية والطبِّ الوقائي أكدوا أن اللقاحات المتاحة تتكون من مادة الحمض النووي الريبوزي الرسول «mRNA» لفيروس «سارس كو في 2»، ومادة الحمض النووي المؤتلف، وفيروس البرد الشاسع (الفيروسات الغدية)، وفيروسات وبكتيريا، ومركبات من لحاء شجرة القلاجة، ونباتات (كمفاعلات حيوية)، كما تتكون من مواد مساعدة أخرى، كالبوتاسيوم، والصوديوم، والمغنيسيوم، والفوسفات، وحمض الخليك، وهيدروكلوريد التروميثامين، وثنائي اديتات، وبولي سوربات، والسكروز، والدهون، والكوليسترول، وهيستيدين، والإيثانول، والماء، وبناء على هذا، فإن هذه اللقاحات لا تحتوي على مشتقات خنزيرية أو بشرية، ويحدث أثناء إعدادها تفاعلات وتغيرات بين مكوناتها مما يجعلها داخلة في أحكام الاستحالة في الفقه الإسلامي.
وبناء على التوصيف الطبي أعلاه لحقيقة اللقاحات المتاحة، فإن استخدامها للتطعيم ضد «كوفيد- 19» جائز شرعًا، ويصبح واجبًا إذا ألزم به ولي الأمر، اعتباراً بأن حكم ولي الأمر منوطٌ برعاية المصلحة. ووفقاً لذلك، فإن الندوة الفقهية تدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى الالتزام بالتعليمات الصادرة عن ولاة الأمر في دولهم، وعن السلطات المسؤولة عن الصحة العامة في مجتمعاتهم؛ حفاظاً على مقصد حفظ النفس الذي يُعدَّ من المقاصد الضروريَّة في الشريعة الإسلامية.
وبعد النظر والتأمل في الأدلة الشرعية والمقاصد العليا، والقواعد الكلية، والاعتبار بمآلات الأفعال، واجتهادات الفقهاء - قديمًا وحديثًا - حول معاني المصارف الثمانية للزكاة في قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فإن الندوة الفقهية توصي بجواز الصرف من أموال الزكاة، ويدخل ذلك في مصرف «وفي سبيل الله»، ذلك لأن جائحة «كوفيد- 19» خطر يهدد البشرية جمعاء، ويتعين مكافحته بجميع الوسائل العلمية والمادية المباحة، وعليه، فإن لولي الأمر الصرف من أموال الزكاة لمواجهة هذا الخطر، وإن القول بمشروعية الصرف من أموال الزكاة لشراء اللقاحات، ولتمويل توزيعها لا يراد منه صرف جميع أموال الزكاة لهذا الغرض، وإنما يصرف جزء من أموالها، مع مراعاة بقية المصارف حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة.
ودعت الندوة دول العالم وخصوصًا الدول القادرة إلى أن تتعاون لجعل اللقاحات متاحة للدول العاجزة عن شرائها، وتمويل توزيعها على المحتاجين في جميع أنحاء العالم، ذلك لأن مكافحة «كوفيد- 19» ينبغي أن تكون شاملةً لكلِّ دول العالم من أجل أن يسلم الجميع -بإذن الله تعالى- ودعوة الدول والمنظمات والسلطات الصحية ووسائل الإعلام والمجتمعات إلى اعتبار قضية اللقاحات قضية إنسانية، مما يوجب التعاون والتضامن في توزيعها على الدول وعلى الأفراد بكل يسر وسهولة دعوة العلماء والدعاة والأئمة والخطباء إلى توجيه الناس للاستجابة لحملات التطعيم ضد «كوفيد- 19»، والتحذير من الشائعات والفتاوى التي تثير البلبلة حول مشروعية استخدام هذه اللقاحات التي ثبت طبياً نجاحها وقدرتها على حماية الأنفس من هذه الجائحة -بإذن الله تعالى.