د. خيرية السقاف
يقال في دارج الكلام «غلطة الشاطر بألف», والشاطر الذي كان صعلوكًا متشردًا, يعرف مخابئ المفازات, وأغوار الطرقات, ومنابت الزرع والماء, وحياض المواشي, والجياد, ومنازل الأقوام ودروب ترحالهم, هو اليوم «الشاطر» النبيه, سريع البديهة, الذكي, ذو المواهب العديدة, والسمات البارزة, والقدرات المختلفة, يتعلم بسرعة, يبرز باحتراف, يكتسب بمهارة, تلمع خصائصه الذاتية منذ صغره، وتشرق كلما كبر.
في المدرسة يتقدم, وفي التجارة يكسب, وفي المجتمع يتفوق.....
هذا «الشاطر» المعاصر منذ نعومته, وفي مراحل تنشئته, وعند بلوغه بوابة مجتمعه ليعمل, ليلتقي الناس, ليحتك بالمواقف, الآن كيف هو حال مهاراته؟!
كيف هي بيئته, ومواطن ممارسة تجاربه؟ ونمط مكاسبه؟
ما الذي حوله من مصادر معرفته, ومعارفه؟..
ما الذي يمكن أن تبرع به «شطارته» والدنيا بكُلِّها وكليلها بين عينيه, ويديه, وهو مغموس في عجِّها, منفردٌ بمصادر خبراته منها, ومكتسباته فيها,
غارقٌ بوابلها يتقطر عليه خلطٌ ثقيلٌ داكنٌ لا يفرغ منه ليله, ولا نهاره..
تسيِّره موجاتُه, تُغرقه في الذرة منه قبل الكتلة حتى وهو في مخدعه لينام فلا ينام..
وفي بيته ليلتم فيتفرق, وبين أهله وهو معهم وليس معهم..
وفي مدرسته ليتعلم فيشتُّ!!...
وفي طريقه ليصل فيتعثر, ويتأخر, وقد لا يصل..
وأخيرًا: كيف سيكون «الشاطر» في مقبل أيامه حين يصبح جاهلاً بذاته,
فارغًا من ذاته,
تائهًا عن ذاته
بين عجاج أيامه التي مرت به وهو غارق في سحب هذا العجاج؟!..
وما مكاسب «شطارته», وما ثمارها؟!