د. حسن بن فهد الهويمل
لم يعد للفرضيات مكانٌ، كلُّ شيء على المكشوف، يراه القاصي والداني، والصغير، والكبير، كما خلقه الله.
وصفت زماننا بالعُريِّ، لا شيء يخفى، ولما أزل أكرس هذا الوصف.
تُقال كلمةٌ، أو يقع حدثٌ في أقصى بلاد الدنيا، أو في غياهب الاستخبارات، والمباحث، ثم يتسرب في لحظة، ويصل أقصى المعمورة، يتداوله الأطفال، قبل الكبار، والأفراد قبل المؤسسات، ثم تتشعب بهم طرق التأويل. وقد تنشئ التأويلات المتناقضة العداوة، والبغضاء، بين الفرقاء.
هذا قدر أمتنا، وهو قدر نافع، وضار: نافع للمستهدفين، ليأخذوا حذرهم. وضار للمستبد، لأنه يكشف عن سوءاته، وظلمه، وتدخلاته المضرة بالمصالح. بل يكشف عن كَذِبه، وكذب أنظمته، ودساتيره التي لم تبرح سجلاته الحافلة بجلائل الأخلاق.
الكلمة مُدنَّسة، لأنها جزء من اللعبة السياسية، تقال لا لتُنفَّذ مضامينها، ولكن لتثبط الصادقين، وتثني عزمات الممانعين، وتربك مسيرة الناصحين.
الحزبان الأمريكيان تختلف أولوياتهما، حِزْبٌ همه الاقتصاد، والابتزاز. وحزب همه التخويف، والهيمنة. وكلا الرئيسين يقتطعان حقهما الشخصي من الكعكة، لمجرد التلميع، والإثارة، وبناء الشخصية المهيمنة. ومتى حققا بعض المراد تبخرت الكلمة. وعاد كل رئيس إلى قواعده ببعض السلامة.
المملكة تعرف ما يقال، وتعرف الهدف مما يقال، ولهذا لا يستفزها القول، ولا تجاري إلا بما تعلم أهدافه، ونواياه. فيوض الإثارات تمر بها مرور الكرام، وكأن الأمر لا يعنيها.
الدولة، وأناسيها يملكون القدرة على تجاوز المنعطفات الحرجة، وكم من كلمة مشحونة بالإغراء، والتخويف مروا بها دون اهتمام.
لقد جاءت خطابات الانقلابيين العسكريين، وخطابات الخريف العربي، وما أوجف به المعارضون للكيان، ولم يحرك ساكناً، وكأنهم لم يسمعوا، ولم يروا، بل كانوا كما وصفهم الخبير بهم (جبل طويق) شموخاً، وثباتاً.
ولم تستزلهم كل الخطابات على مختلف مستوياتها، وتنوعاتها.
هذه الثنائية المتألقة سناء، وسنا أسقطت كل الرهانات، وخيبت كل التطلعات، وفوتت الفرص على كل الطامعين.
لقد كانت اللحمة الوطنية هدف الأعداء، يتخذونها غرضاً، ويغرون الإعلام العميل بتفتيتها، وتفكيك صلابتها.
(المواطن السعودي) لديه وعي، وقناعة بما منحه الله من عدل، واستقرار، وما استطاع أحد استمالته، أو إثارته، وذلك مصدر العز، والقوة.
المرتزقة من عرب الشتات يثيرون الحزازات، ويؤلبون الرأي العام، ويضمرون العداوة، والبغضاء، ويحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وفضل الله واسع. لقد كان أمرهم في سفال، وخابت كل رهاناتهم.
مضى بعضهم إلى مزبلة التاريخ، وبقي البعض الآخر يتجرع مرارات النكسات، والمملكة في طريقها القاصد، لم تحفل بأحد، ولم تكترث من أحد. همها النفع، والانتفاع، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال.
لقد أعطى (المواطن السعودي) قيادته العهد، والمواثيق في المنشط، والمكره، والعسر، واليسر، وسيظل وفيّاً بما عاهد عليه، ذلك مذهب (السلفية المستنيرة) لا تتغير بالتغيرات السياسية، ولهذا فالدولة ماضية في آدائها محمية الساقة، لا تلتفت إلى الخلف، ولا تفكر إلا بمصلحة المواطن، وبما يضمن له الحرية، والسعادة.
المجتمع الدولي أمام رهانات خاطئة، تلبس بها العهد الجديد في أمريكا، تتمثل في إجراءات خاطئة، لعل من أهمها ما أشار إليه رئيس التحرير الأستاذ (خالد المالك) في مقالة الجمعة 28/7 المتمثل بالغاء تصنيف الحوثيين إرهابيين، وممالآت إيران على تخفيف العقوبات، وتراجع أمريكا عن ممانعتها حول المفاعل النووي، مما يعزز موقف الإرهاب الدولي. ويمنحه فسحاً واسعة.
هذا التخاذل أغرى الهيئات، والمنظمات الدولية على المسايرة، والتستر على إيران، والتخاذل أمامها، والدفع بها إلى مزيد من الاعتداءات.
كل شيء ينذر بالخطر، والمملكة تمتلك من القوة، والاعتماد على الله ما يحميها من ويلات المرحلة.